مدمن المخدرات .. سجن الضحية أم علاجها ؟ (2-2)
"قبض عليّ بسبب التعاطي وعرف أهلي ذلك، خرجت من السجن ووجدت سمعتي سيئة وأهلي يرفضونني. كنت خلال سجني قد توقفت عن التعاطي رغم توافر المادة المخدرة، إلا أنني عدت للتعاطي بسبب المعاملة السيئة". هذا مقطع من حديث أجرته إحدى الصحف مع متعافٍ، والتي تلخص جزءا من معاناة ضحايا المخدرات. وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الدقيقة فيما يخص حجم التعاطي، إلا أن كمية المضبوطات تدل على أن هناك طلباً كبيراً على هذه المواد، كما أن شواهد كثيرة تدل أيضاً على أن السياسات المتبعة حالياً في التعامل مع متعاطي ومدمني المخدرات تبدو غير كافية لحل هذه المشكلة، وذلك استناداً إلى أن النتيجة المأمولة لم تتحقق، فأعداد المتعاطين في ازدياد، والأسعار في انخفاض، وطرق الحصول على المخدرات أصبح أيسر من ذي قبل، وسوقه السوداء في ازدهار. فالوقت قد حان للنظر في إيجاد بدائل للعقوبات البدنية، وحبس الحرية والسجن للمتعاطي والمدمن، والتوجه إلى أساليب تتعامل مع جذور المشكلة النفسية والجسدية، وهو ما توفره مراكز العلاج من الإدمان وإعادة التأهيل، بحيث يستبدل القاضي أحكام السجن والجلد بأحكام تتعلق بالنواحي العلاجية السلوكية كخدمة المجتمع، أو النواحي الطبية بالإلزام بالعزلة الإجبارية وحضور برامج إعادة تأهيل يحددها ويوصي بها الطبيب المعالج لهيئة المحكمة، وتحدد مددها حسب الحالة ونوع الإدمان ودرجته، كما هو معمول به في بعض دول العالم. بل دعني أذهب إلى أبعد من ذلك إلى القول بأن تكون الأولوية عند الحكم على الشخص الذي ارتكب جريمة بسبب إدمانه المخدرات – كالسرقة مثلاً- هي بالنظر في كيفية علاجه من الإدمان بدلاً من عقابه على جريمة السرقة، بحيث يحكم عليه مع التأجيل أو وقف التنفيذ إذا استجاب للبرنامج العلاجي التأهيلي.
إن الارتباط العميق بين إدمان المخدرات والصحة العقلية للشخص تجعل الحلول العقابية ظلماً له وغير مجدية. لأن جذور المشكلة لم تُحل وسيعود للتعاطي متى خرج من السجن، فالإدمان على المخدرات في المقام الأول ينبغي أن يعامل باعتباره قضية صحية لا أمنية. وينبغي النظر بعين الاعتبار وبإيجابية نحو السياسات المتعلقة بالتعامل مع قضايا تعاطي المخدرات في دول كهولندا وسويسرا وغيرها من الدول الغربية والشرقية في عدم اعتبار المتعاطي مجرماً يستحق العقاب.
إن تبني مثل هذه الحلول يحتاج إلى إيجاد استراتيجية وطنية للعلاج بالإضافة إلى استراتيجية الوقاية. وتتطلب إيجاد مراكز لعلاج الإدمان في جميع العيادات النفسية في المستشفيات الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا الجانب. إننا بحاجة إلى مساعدة رجال الأمن ومكافحة المخدرات وهيئة التحقيق والادعاء العام في تركيز جهودهم على قضايا التهريب والترويج بدلاً من تشتيتها في قضايا التعاطي والإدمان. فضبط جرامات في جيب المتعاطي ليس الهدف، بل الهدف إيقاف الأطنان المهربة. ورغم الجهود المشكورة التي يبذلها هؤلاء الرجال المخلصون إلا أننا بحاجة أيضاً إلى الوصول إلى المتاجرين بصحة أبنائنا أياً كانوا، وفي معاقلهم ودولهم أياً كانت، ومحاربتهم هناك بالقوانين والاتفاقيات الدولية عبر بناء القضايا المدعمة بالأدلة ضدهم بدلاً من انتظار وصولهم إلينا، والتشهير بمهربيها ومروجيها المحليين ونشر قوائم بالمطلوبين في قضايا التهريب والترويج أسوة بقضايا الإرهاب لضبط تحركاتهم والحد من خطرهم، وإعطاء المحققين الصحفيين الاحترافيين الفرصة والإمكانيات لسبر أغوار هذه المشكلة وتتبع جذورها.
إن رحلة الإدمان تبدأ من التذوق أو التجربة، مروراً بالتعاطي وانتهاءً بالإدمان، وهذه المراحل لها مسبباتها من البطالة، وضعف التأهيل، وفقدان تكافؤ الفرص، والفراغ الكبير الذي يعيشه حتى الفئة العاملة من المجتمع من الجنسين، والتي لم نستطع التعامل معها وإيجاد الحلول لها، فهل نعاقب الضحية أم نلتفت إلى الأسباب؟
* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية
[email protected]