جنس المولود حسب الطلب

قام الملك هنري الثامن ملك إنجلترا في القرن السادس عشر بقطع رأس زوجته لعدم قدرتها على إنجاب مولود ذكر يكون ولياً للعهد، حيث كان الاعتقاد السائد آنذاك بأن المرأة هي الملومة في تحديد جنس المولود، أما الآن فإننا نعلم يقيناً أن المرأة ليست مسؤولة عن تحديد جنس الطفل. وبدلا من ذلك ينبغي أن يكون الأب هو الملوم، لأن الأب هو من يحدد الجنس للطفل بما تحمله خلية سائله المنوي من كروموسوم. والطريف أنه لو كان ملك إنجلترا آنذاك مسلماً لما قطع رأس زوجته، حيث ورد في الصحيح - وقبل ألف عامٍ من حكم الملك هنري - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت البنت).
فالذكر يختلف عن الأنثى بأن لديه كرموسومان (X و (Y ، أما الأنثى فلديها (X و (X. ولكن من أين تأتي هذه الكروموسومات؟ يأتي الكروموسوم X – في كلٍ من الذكر والأنثى- من الأم، أي أن بويضة المرأة في الحالات الطبيعية تحمل الكروموسوم X دائماً، أما الآخر والذي يحدد جنس المولود فيأتي من الرجل، فإذا لقحها مني الرجل وكانت خلية سائله المنوي تحمل الكروموسوم X، فإن الطفل سيكون أنثى، أما إذا كانت خلية سائله المنوي تحمل كروموسوم Y فإن الطفل سيكون ذكراً. وترتبط بعض الأمراض الوراثية كمرض ضمور العضلات (دوشين), ومرض النزف الدموي (الهموفيليا)، وعمى اللونين الأخضر والأحمر بالخلل في الكروموسوم X ، لذا نجدها لا تصيب إلا الذكور ويندر وجودها في الإناث.
وفي العصر الحديث ظهرت عدة تقنيات علمية مخبرية تستخدم لتحديد جنس الجنين، ويعتمد معظمها على الاختلاف الكمي لمحتوى المادة الوراثية في الحيوان المنوي في الكروموسوم X عنه في الكروموسوم Y بمقدار ثلاثة أضعاف، وتقوم إحدى هذه التقنيات بالاعتماد على هذا الاختلاف بين الكروموسومين لفصلهما عن بعضهما البعض بواسطة جهاز الطرد المركزي، وبالتالي يمكن عزلها، ومن ثم يتم تلقيح البويضة بالسائل المنوي ذي الحيوانات المنوية من نوع X إذا كانت الرغبة في مولود أنثى، أو Yإذا كان المرغوب ذكر. ويمكن أن يتم تلقيح البويضة تلقيحاً صناعياً داخلياً، أو خارجياً بما يسمى بالأنابيب في الحالات الصعبة. وتقوم تقنيات أخرى بإضافة مواد مميزة للحيوانات المنوية الحاملة للكروموسوم X أو Y ومن ثم يمكن فصلهما بواسطة إشعاع الليزر. وتبلغ تكاليف عملية الفصل هذه ما يقارب العشرة آلاف ريال سعودي ، وبنسبة دقة تصل إلى 90 في المائة في اختيار الأنثى ، و75 في المائة في اختيار الذكر.
ولكن هناك عدد من المحاذير الأخلاقية المتعلقة بالاختيار المسبق لجنس الجنين ، فهل من الأخلاقيات أن يحدد جنس الجنين من يولد ممن لا يولد؟ وهل سيؤدي مثل هذا الاختيار إلى التمييز ضد أحد الجنسين، كالمرأة غالباً؟ ففي مجتمعات كالصين مثلاً ، ترغب العائلة في أن يكون الجنين ذكراً لمساعدتها في العمل الزراعي، حيث لا يسمح للعائلة إلا بمولود واحد. وكذلك الحال في الهند نظراً للتكاليف الباهظة لزواج الفتيات والتي تتحملها مع عائلتها، رغم أنَ الحال عكس ذلك في الغرب حيث تشير الإحصائيات إلى أن معظم العائلات تستخدم هذا الأسلوب من أجل الحصول على مولودة أنثى. وهل سيؤدي هذه الاختيار إلى عدم اتزان في المجتمع في أعداد الإناث مقابل الذكور؟
في اعتقادي أن المشكلة ليست في عملية اختيار جنس الجنين ذاتها، وإنما في ثقافة المجتمع الذي ستنفذ فيه، ففي مجتمع المملكة العربية السعودية - والذي يغلب عليه الطابع الذكوري - نحن بحاجة إلى وضع ضوابط تمنع العيادات المتخصصة من إجراءات اختيار جنس الجنين إلا وفق شروط معينة ، كأن يكون لدى الشخص عدد كبير من الأطفال من جنس واحد، أو لمنع بعض الأمراض الوراثية السابق ذكرها والمتعلقة بجنس الجنين الذكر. والحقيقة أن الخطورة تكمن فيما توفره التقنيات الحديثة من اختيار ليس لجنس الجنين فحسب، وإنما لمواصفاته الجينية وهو موضوع مقالنا القادم ودمتم بخير.

* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي