شكراً دفاعنا المدني
شكرا لكم أيها الرجال الأبطال، يا من تخرجون من بيوتكم لخدمة أمننا، ولا تعلمون أتعودون إليه مرة أخرى أم لا. شكراً لكم يا من تعانون قلة وعينا بأهمية ما تعملون، فنسابقكم في الشوارع بسياراتنا ونغلق الممرات أمامكم.
شكراً لكم يا من تعانون سوء تنظيم مدننا، فلا وسائل استدلال، ولا أسماء شوارع واضحة، ولا ترقيم شافيا، ولا نظام استدلال رقمي معتمد.
شكراً لكم يا من تعانون ضغوط العمل، وكل فرقة منكم تغطي ما يفوق أضعاف المعدلات العالمية.
شكراً لكم يا من تعانون جهلنا بمتطلبات السلامة في منازلنا، فلا كاشفات دخان (رغم أنها بريالات معدودة)، ولا طفايات للحريق، وشبابيك حديدية على كل المنافذ، حولت منازلنا إلى سجون، فإذا وقع الحريق اتهمناكم بالتقصير عن إنقاذ أبنائنا.
شكراً لكم يا من تعانون مناوبات متبدلة واستلامات متوالية، فلا إجازة أسبوعية، ولا أعياد، ولا حضور مناسبات اجتماعية، فتتحول حياة الإنسان إلى جحيم، وتتقلب ساعاته البيولوجية ويتقلب معها مزاجه لينعكس على زوجته وأطفاله.
شكراً لكم يا من تتحملون إهمال الآخرين، فتغرق السيارات في الأنفاق لسوء التصريف، وتحتجز العائلات في الأودية أثناء موسم السيول لإهمالهم التحذيرات، ومن ثم نتهمكم بعدم الكفاءة، رغم أن الأولوية هي لسلامة رجل الدفاع المدني حتى لا نضاعف الخسائر، لأن الإنقاذ أحياناً يكون انتحاراً.
شكراً لكم يا من تعرضون صحتكم الآنية والمستقبلية للمخاطر، فاستنشاق الدخان والتعرض للحرارة الشديدة، والمواد الكيميائية، والضغط النفسي من مشاهد الضحايا، والخوف، والقلق على الحياة كلها تضع آثارها الفورية والكامنة على صحتكم.
شكراً لكم أيها الأبطال عندما يقوم الغوّاص بالغوص في مياه البيارات الآسنة لانتشال جثة، أو إنقاذ غريق سقط فيها نتيجة الإهمال، ونحن نقف متلثمين بأشمغتنا قرفاً من الروائح ننتظر خروجه.
شكراً لكم يا من تواجهون جحودنا بالصبر وبذل المزيد، فبعد أن نهمل سلامة أطفالنا، أو ممتلكاتنا، نرفع عليكم الدعاوي بالتقصير، ونحن من يجب أن ترفع عليه الدعوى. ففي أمريكا مثلا، وعندما تترك طفلك وحيداً في المنزل أو السيارة، فلن تجده عندما تعود، لأن قوة الحماية قد أخذته، وقد لا تراه مرة أخرى بتهمة الإهمال.
سامحنا الله .. عندما نقارنكم برجال الإطفائية التابعة لأرامكو أو سكيكو أو المطارات، دون مراعاة للأجور وساعات العمل ونوعية المهام التي تخرجون إليها وكميتها والراحة التامة في بيئة العمل.
سامحنا الله .. ونحن لا نذكر أنه لو طلب أحداً منكم من أي شركة تأمين أن تؤمن على حياته، لطالبته الشركة بأقساط تأمين شهرية تفوق بكثير بدل الخطر الذي تتقاضونه.
سامحنا الله .. ونحن لا نفكر فيكم، وأطفال أحدكم لا يوجد لديهم ماء، أو يحتاجون إلى الطبيب، فيضطر لترك عمله، ونحاسبه على ذلك، دون أن نسأل أنفسنا لماذا لا نوفر له بيئة مناسبة - أسوة بغيره من العسكريين - تمكنه من أداء هذا العمل الحساس بكفاءة ومن ثم نحاسب المقصر؟
سامحنا الله .. عندما نسينا شهداءكم الذين سقطوا أثناء أداء الواجب، فانهار عليهم المبنى، أو قضوا حرقا، ولم نكرّمهم أحياءً ولا أمواتاً، ولم نكّرم أسرهم شركاءهم في التضحية.
سامحونا .. عندما نقارن كفاءتكم بكفاءة الأجهزة الغربية التي تعرض أفلامها السينمائية التسجيلية لعمليات مختارة بعناية تكرس الهيمنة الغربية في الأعمال الاحترافية وتضاعف حالات جلد الذات لدينا، ونحن نعلم أن لديكم عمليات إنقاذ رائعة اتسمت بالشجاعة والحرفية، ولو تفرغتم لتوثيقها لأبهرتموهم وأبهرتمونا.
سامحونا أيها الأشاوس، واعلموا أنكم محل التقدير والإعجاب، ولا بد للظلام يوماً أن ينجلي .. ودمتم ودام الوطن بخير.