التعليم العالي في المملكة: توجهات مُستقبلية
"ماذا نريد من التعليم العالي؟" في بلادنا، و"كيف يجب أن ندير هذا التعليم؟" كي نحصل على ما نريد. تدخل هذه التساؤلات المهمة في إطار مُتطلبات التخطيط المستقبلي للتعليم العالي التي يجب الاهتمام بها وجعل الإجابة عنها واضحة، تُسهم في إنارة الطريق نحو مُستقبل أفضل. وتشمل الإجابة العملية عن هذه التساؤلات مستويات عدة من المتطلبات، تبدأ بتحديد توجهات إستراتيجية تتمثل في أهداف واضحة يُطلب العمل على تحقيقها. ومن خلال ذلك يتم وضع السياسات، وتحديد الأدوار والنشاطات، وتحفيز الطاقات والإمكانات، والسير في طريق العمل والإنجاز، وصولاً إلى المستقبل المنشود.
وكما هو واضح في التساؤل "ماذا نريد من التعليم العالي"، فإن التخطيط لهذا التعليم يرتبط بما نريد، أي بما نحتاج فعلاً على الصعيد الوطني. والحاجة الدائمة تكمن في "التنمية"، إضافة إلى "الارتقاء بالإنسان". وعلى ذلك فإن التخطيط للتعليم العالي هو جزء لا يتجزأ من التخطيط للتنمية، لأن هذا التعليم هو وسيلة مهمة وفعّالة من وسائلها. وبينما تقوم المملكة حالياً بتنفيذ خطة التنمية الخمسية الثامنة، فإنها تقوم أيضاً بوضع خطة التنمية الخمسية التاسعة التي ستحظى بالعمل على التنفيذ عند الانتهاء من تنفيذ الخطة الثامنة مع نهاية العام المقبل 1430 هـ.
وبالطبع، فإن وزارة التعليم العالي هي الجهة المسؤولة عن وضع خطة التعليم العالي، وعن العمل على تنفيذها. وبالطبع تُشارك الوزارة في هذا التنفيذ جميع مؤسسات التعليم العالي، كُل بحسب إمكاناتها ودورها، وطموحها وقدرتها ونشاطاتها، وسعيها نحو التميز. وسوف نحاول فيما يلي أن نُلقي نظرة على التطلعات المستقبلية لوزارة التعليم العالي في المملكة، من خلال التساؤلين المهمين المبينين أعلاه، والخاصين بماذا نريد من التعليم العالي؟ وكيف علينا أن نديره؟.
هناك محاور رئيسة ثلاثة لما نُريد من التعليم العالي. يقضي أول هذه المحاور بالمواءمة بين منهاج التعليم العالي من جهة، ومتطلبات المُجتمع واحتياجات التنمية الوطنية من جهة ثانية. أما ثاني هذه المحاور فيتعلق بضرورة الاهتمام بالبحث العلمي وتعزيز القدرات البحثية والتوسع في برامج الدراسات العليا. وليس هذا المحور بمعزول عن المحور الأول بل إن المحور الأول ينطبق عليه أيضاً. ويتمثل ذلك في أن تُحقق بحوث التعليم العالي، وليس مناهجه الدراسية فقط، المواءمة المطلوبة مع متطلبات المجتمع واحتياجات التنمية.
ونأتي إلى المحور الثالث في إطار ما نريده من التعليم العالي. ويختص هذا المحور بمسألة الجودة والنوعية، أي جودة ونوعية ما ورد في المحورين السابقين. والمقصود هنا هو جودة مناهج التعليم التي تُعطي خريجين أكثر كفاءة في العمل، وجودة البحوث العلمية التي تُقدم عطاءً معرفياً مُتميزاً. ولا يكمن تميز مناهج التعليم في المعلومات والمعارف التي تُقدمها فقط، بل في المهارات التي تُعطيها أيضاً. كما أن تميز البحوث لا يكمن فقط في قابليتها للتوظيف محلياً، بل في أثرها العلمي على المستوى الدولي أيضاً.
وننتقل إلى التساؤل الثاني الذي يطرح قضية إدارة التعليم العالي من أجل الحصول على ما نريده منه. ولقضية الإدارة هذه محاور أخرى خاصة بها. وتشمل هذه المحاور: التوسع في قبول الطلبة في التعليم الجامعي من أجل زيادة إمكانات أبناء المُجتمع وقدراتهم؛ واستخدام الوسائل والأساليب الحديثة اللازمة لتطوير العمل المعرفي وجعله أكثر كفاءة وفاعلية؛ وإيجاد مصادر تمويل مُتعددة لدعم التعليم الجامعي؛ واستخدام الإدارة الحديثة في تنفيذ مُختلف نشاطات التعليم العالي؛ إضافة إلى توظيف تقنيات المعلومات في تعزيز أداء مُختلف هذه النشاطات الأكاديمية منها والإدارية.
وهكذا فإننا نريد تعليماً عالياً يستوعب كل من يستحق من أبنائنا، ونريد لهذا التعليم أن يتمتع بجودة عالية، ومواءمة مُناسبة مع مُتطلبات المجتمع واحتياجات التنمية، على ألا يقتصر ذلك على المناهج التعليمية فقط، بل أن يشمل الأبحاث العلمية أيضاً. وسبيلنا إلى تحقيق ذلك هو إدارة حديثة ناجحة تهتم بالأداء والتوسع واستخدام الوسائل المناسبة وتوظيف تقنيات المعلومات والمساهمة الفاعلة في بناء مجتمع المعرفة على أفضل وجه مُمكن.