هل هناك مقاومة للإصلاح في السعودية؟!
يتكرر الحديث من وقت لآخر عن وجود مقاومة اجتماعية شديدة لجهود الإصلاح في السعودية وأن المجتمع السعودي يقف حجر عثرة أمام تلك الجهود. وفي هذا تجن غير مقبول ومبالغة غير واقعية لموقف المجتمع من الإصلاح والتغيير، وتسفيه للمجتمع بصورة يبدو معها أنه من بين مجتمعات الأرض قاطبة مجتمع يرفض تصحيح أوضاعه ويرغب في الاحتفاظ بمشكلاته ومعوقات تطوره.
سوء الفهم هذا ينبع من حقيقة أن الإصلاح الذي يرغبه المجتمع ويدرك حاجته إليه ويؤيده قطاع واسع فيه قد يكون مختلفا عن البرنامج الإصلاحي الذي يتبناه الإعلام ويدعو إليه. فالإعلام يختزل عملية الإصلاح المطلوبة في أمور ثانوية كقيادة المرأة السيارة أو إتاحة الفرصة لها في الترشح لمجالس الغرف التجارية أو المجالس البلدية ونحو ذلك من الموضوعات التي لا تشكل أولوية في نظر المجتمع، ويتجاهل حقيقة أن الإصلاح المطلوب أوسع وأشمل ويتناول قضايا قد يكون هناك إجماع بشأنها وذات أهمية أكبر.
فإن كان كل ما نعنيه بعملية الإصلاح في السعودية هو قيادة المرأة السيارة وفتح المجال لها للترشح فإنه يحق لنا أن ندّعي بجدارة واستحقاق أننا مجتمع مثالي لا يعاني أي مشكلات أساسية، الأمر الذي يخولنا توجيه اهتمامنا لمثل هذه الموضوعات الهامشية الخلافية واعتبارها من أهم أولوياتنا الإصلاحية. فليس لدينا بطالة تتطلب حلولا جذرية تضمن تفعيل استخدام مواردنا البشرية المعطلة من خلال إدراكنا أن المشكلة ليست في تدني مشاركة المرأة السعودية وإنما في تدني مشاركة الإنسان السعودي بجنسيه في سوق العمل، وهي معضلة يبدو أن حلها مستعص رغم كل ما بذل من جهود. وليس لدينا مشكلة تنامي ظاهرة الفقر في وقت ننعم فيه بنمو كبير في إيراداتنا النفطية ونعاني فائضا في سيولتنا النقدية التي لم تجد حتى قنوات كافية لاستيعابها محليا فأصبحت تجوب العالم بحثا عن فرص استثمارية مناسبة. ولا نعاني تدهورا مستمرا في مستويات مخرجات نظامنا التعليمي رغم أن معدل إنفاقنا على التعليم هو الأعلى على مستوى العالم، حيث يتجاوز الإنفاق على التعليم 25 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي أو 9 في المائة من إجمالي إنتاجنا المحلي. وليس هناك حاجة لبذل جهود أكبر للحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد الإداري والمالي وتوسيع المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. ولسنا في حاجة إلى بذل جهود جبارة لزيادة فاعلية القطاع الحكومي وضمان إدارة اقتصادنا وفق خطط استراتيجية بعيدة المدى، تضمن تنويع مصادر الدخل ونمو اقتصادنا بمعدلات تحسن مستوى المعيشة وتعي مسؤوليتنا أمام الأجيال المقبلة من خلال تبني تنمية مستدامة تؤمن مصادر دخل لتلك الأجيال عندما يستنزف النفط بعد عقود قليلة.
وإهمال الإعلام هذه القضايا المهمة المصيرية وتركيزه على قضايا هامشية، ثم فوق هذا وصف المجتمع بمقاومة الإصلاح لعدم مسايرته هذا التوجه، خرافة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة وتجن غير مقبول ولا تمثل تيارا إصلاحيا وإنما محاولة لإجبار المجتمع على القبول بما قد لا يكون مستعدا لقبوله في ظل تجاهل متعمد لأولوياته واهتماماته. فأهم خاصية لأي عملية إصلاح حقيقية هي رفع الوصاية عن المجتمع ومنحه الحرية الكاملة لتحديد أولوياته ونوعية التغيير الذي يرغب في تحقيقه من خلال فك القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفروضة عليه، ما يمنحه الفرصة للتركيز على قضاياه الرئيسية والتعامل بشفافية مع مصادر الخلل وتبني الحلول المناسبة.
وفي غياب ذلك يصبح المجتمع أكثر تشددا في رفضه عملية التطوير والتغيير بسبب نظرة المجتمع إلى تلك الخطوات بعين الريبة والحذر واعتبارها جزءا من أجندة مفروضة من الخارج ولا تمثل عملية إصلاح حقيقية، وإلا لما تجاهلت قضايا المجتمع الأساسية ولما سطحت اهتماماته واختزلتها في موضوعات هامشية واعتبرت تحقيق تقدم فيها يمثل نصرا مؤزرا لعملية الإصلاح، بينما هي في الواقع شكليات قد تسهم في تلميع صورتنا في الخارج لكن لا تغير في واقعنا شيئا.