النسيان عذر ما لم يطل زمنه
من العلماء من اشترط في اعتبار النسيان عذرا ألا يكون الفعل المرتكب نسيانا كثيرا يتنافى مع العبادة ويذهب حقيقتها كما لو أكثر الكلام في الصلاة نسيانا أو أكل وهو صائم معظم يومه نسيانا فإنهم يرون فساد الصلاة والصوم, ولهذا القول وجه لأن الأكل أو الشرب أو الكلام في الصلاة إذا كثر يتنافى مع حال المصلي فإن هيئة الصلاة مذكرة بقيامها وركوعها وسجودها, ولأن الغالب من النسيان هو ما يقصر أمده ولا يستمر على طول الزمن إلا ما ندر وإن طال أمد النسيان فهو بسبب تقصير من المكلف.
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: "والشرع فرق في الأعذار بين غالبها ونادرها, فعفا عن غالبها لما في اجتنابه من المشقة الغالبة وأخذ بنادرها لانتفاء المشقة الغالبة" أ.هـ.
ولو تأملت معي, يا رعاك الله, لعلمت أن غالب النسيان لا يطول إذ هو ناجم عن سهو وغفلة وسرعان ما يتذكر الناسي لأدنى مذكر, وأما النسيان الذي يطول جدا فهو نادر وقليل, لذا رتب الشارع عليه الحكم لانتفاء المشقة لقلته فمن استمر يأكل مثلا في يوم صيام طوله 14 ساعة, سبع ساعات أو تسعا فحال هذا نادر, لذا يؤمر بالقضاء إن كان الصيام واجبا ولا يقاس بمن يشرب شربة أو يأكل لقمة مما يكثر ويشق التحرز عنه والله أعلم بالصواب.
إن النسيان عذر في الجملة ولم يخالف في هذا أحد ممن يعتد بقوله من أهل العلم, إذ هو حالة يبتلي الله به العبد تزيل عنه إدراكه بحاله وهيئته, لذا نسب النبي, صلى الله عليه وسلم, الإطعام إلى الله في الصائم لأنه سبحانه هو أوجب وأنسى وأطعم وسقا.