الأسواق والتصورات الخاطئة والحسابات غير المنطقية

 

تتحرك الأسواق أكثر عند حدوث مفاجآت. حيث كانت التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي ترمب بمثابة ضربة قوية للاقتصاد العالمي، ما أدى إلى تهديد الأسهم العالمية في كل مكان. ولكن لماذا؟ ألم يروج ترمب للتعريفات الجمركية منذ عقود؟ لماذا يندهش الأغلب الآن؟

السبب هو أن ما فرضه كان أكبر وأوسع نطاقًا وأقل حكمة مما كان متصورًا تقريبًا، مدعومًا بتصورات اقتصادية خاطئة تدهش العقل وحسابات غير منطقية لم يتخيلها إلا القليلون. لكن يبدو أن الحل اقترب، سأوضح لك لماذا.

نعم، تحدث ترمب عن التعريفات الجمركية قبل ترشحه للرئاسة لأول مرة وكان ذلك قبل عقد من الزمان. وقد طبق عددا منها في فترة ولايته الأولى. لكن تعريفات اليوم أكثر بكثير من تعريفات عام 2018 و2019. حيث بلغ أقصى تأثير محتمل للتعريفات الجمركية في هذين العامين نحو 129 مليار دولار أمريكي، ولكن لم يتم تحصيل سوى ربعها تقريبًا (تتفوق الرأسمالية دائمًا على الحكومات في إيجاد طرق للالتفاف حول التعريفات الجمركية). في حين أنه يمكن أن يبلغ إجمالي التعريفات الجديدة لعام 2025 فقط، نحو ستة أضعاف التعريفات القديمة.

وأفادت التقارير أن ترمب تجنّب فرض رسوم جمركية أكثر تفصيلًا من تلك التي قدمها مساعدوه، واختار فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة %10 وتعريفات "متبادلة" أكثر ارتفاعًا ومبالغ فيها على عديد من الدول. حتى القادة في الكونجرس لم يكونوا على دراية بأفكاره الفعلية حتى تم الإعلان عنها.

تُعد الأسواق آليات رائعة للتسعير المسبق، ولكن حتى هذه الآليات لا يمكنها التنبؤ بالقرارات البشرية الفردية، خاصةً عندما تكون هذه القرارات غارقة في تصورات خاطئة. خذ على سبيل المثال تعريفات ترمب "المتبادلة". لا علاقة لها بالتعريفات الحقيقية التي تفرضها الدول الأخرى على أمريكا. لا شيء!

وبدلاً من ذلك، فإنها تستند إلى العجز التجاري لأمريكا مع كل دولة، على افتراض أن هذا يُظهر أن دولة أخرى تخدع أمريكا بطريقة ما. ولكن هذا غير منطقي! (ومتناقض، نظرًا لأن التعريفات الجمركية العالمية بنسبة %10 تنطبق أيضًا على البلدان التي تتمتع أمريكا بفائض تجاري معها). فالعجز التجاري لوحده ليس مؤشراً على النجاح الاقتصادي، ولم يكن كذلك في أي وقت مضى، على الإطلاق. دائمًا ما تخيف فكرة "العجز" الناس. ولكن الموازين التجارية هي ببساطة مقاييس محاسبية. يمكن للبلدان أن تعاني عجزا تجاريا لأسباب عديدة - بما في ذلك سرعة النمو أو ارتفاع نصيب الفرد من الثروة يسمح لها بشراء مزيد من الدول الأخرى أكثر مما تصدره، هذه هي الإيجابيات!

ضع في اعتبارك ألمانيا وفرنسا، الجارتان وأكبر شريك تجاري لكل منهما. فهما يتشاركان في العملة والسياسة النقدية. ومنذ عام 2008، حققت ألمانيا فوائض تجارية سنوية ضخمة، في حين نما ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 0.8% سنويًا. وفي الوقت نفسه، عانت فرنسا المجاورة من عجز تجاري كبير ... ومع ذلك كان نموها السنوي أسرع قليلاً من ألمانيا!

وقد حققت روسيا فوائض تجارية كبيرة بشكل منتظم أيضًا. بينما تعاني أمريكا عجزا باستمرار، منذ سبعينيات القرن الماضي. ما الاقتصاد الذي تفضله؟

وهذا لا يعني أن الفوائض مثل فائض المملكة العربية السعودية سيئة بطبيعتها، بل يعني أن الموازين التجارية لوحدها لا تعني شيئًا بالنسبة للنمو أو الثروة في المستقبل.

الخبر السار: تتزايد العقبات حول استمرار تعريفات ترمب الجمركية لفترة طويلة جدًا، كما ذكرت هذا مسبقًا في عمودي الأخير. أثناء كتابة هذه السطور، قامت إحدى المجموعات بالفعل برفع دعوى قضائية للطعن في استخدام ترمب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية لفرض رسوم جمركية على الصين. وسيتبعها مزيد من الدعاوى الأخرى قريباً.

ترغب عديد من الدول الآن في التفاوض - وهو ما يمكن أن يكون هدف ترمب منذ البداية. بخلاف الصين، فقد أشار ترمب إلى استعداده للتفاوض. بدأ الضغط في الكونجرس - من كلا الحزبين - في مجلسي الكونجرس وهو يتزايد يوميًا.

ليس من الواضح أن عددًا كافيًا من الجمهوريين سينضم إلى الجهود المبذولة لرفض قرار ترمب إذا استخدم حق الفيتو. لكن المعارضة والانقسام فريد من نوعه. وفي الوقت نفسه، لا تزال المخاوف تتزايد، ما يشير إلى أن الواقع أكثر اعتدالاً من التوقعات المتشائمة - وهو أمر إيجابي للأسهم.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي