الجهل الذي لا يعذر به
أما الجهل الذي لا يعذر فيه صاحبه وهو الذي لا يتعذر الاحتراز منه ولا يشق فلا يكون عذرا, كالجهل بأصول الدين وضرورياته مما يعرفه القاصي والداني والعدو والصاحب خاصة في بلد الإسلام ولا يقبل ادعاء صاحبه بذلك, وكذلك المحرمات المعلومة لدى عامة المسلمين بالضرورة كقتل النفس والزنا والسرقة وإتلاف مال الغير وأكل المال بالباطل فهذا يعرفه عامة المسلمين عالمهم وجاهلهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية, رحمه الله, إن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ كمن يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة"أ. هـ.
روى ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني من حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسر على كتاب الله عز وجل في ليله فلا يبقى في الأرض منه آية فتبقى طوائف من الناس الشيخ والكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا يقولون هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها فقال له صلة بن زمز: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض حذيفة ثم ردها عليه الثالثة فقال يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا".
أيها القراء: إن مراعاة أحوال الناس وأعيانهم ترجع إلى أن الناس لا يشتركون جميعا في معرفة الأمور الضرورية على درجة واحدة بل قد يعرف البعض ما لا يعرفه الآخرون وقد تكون بعض المسائل من المسلمات عند البعض مع أن غيره يجهلها, ولقد أشار شيخ الإسلام إلى ذلك بقوله "وقول القائل إن الضروريات يجب اشتراك العقلاء فيها خطأ بل الضروريات كالنظريات تارة يشتركون فيها وتارة يختص بها من جعل له قوة على إدراكها" أ. هـ.
فهناك بعض الدول الإسلامية قد اندرست فيها كثير من تعاليم الإسلام وتسلط عليها الكفار حتى خرج جيل لا يعرف من الإسلام إلا اسمه فهؤلاء ومن على شاكلتهم معذورون بجهلهم بدينهم والواجب على الدعاة والعلماء أن يحملوا أمانة تعليمهم تعاليم الإسلام, خصوصا مع التطور الهائل الذي نشهده هذه الأيام في وسائل الاتصال, وأما حديثو الإسلام فهؤلاء يعذرون بجهلهم أيضا إذ عاش فترة من عمره في كفر وظلمات يجب عليه أن يسعى إلى معرفة أصول الدين وضروراته التي لا يستقيم الإسلام إلا بها, وهذا الذي يجب أن يأخذه إخواننا في مكاتب توعية الجاليات في الحسبان فلا يغني الكتاب عن البيان فمنذ أن يعلن إسلامه يعلم أصول الدين وما يجب علمه من أركان الإسلام والمحرمات الظاهرة أما بقية الأحكام فتأتي تبعا.
أسأل الله أن يوفقنا لما فيه رضاه ويبعدنا عن أسباب الغواية وطرق الشقاء وإلى الملتقى والسلام عليكم.