أقفلنا المزايدة على السلع المحرمة
شاع في كثير من المنتديات أننا في المملكة العربية السعودية أصبحنا نطبق منهج "الليبرالية الإسلامية " وهو المبدأ الذي يتيح للإنسان التصرف بكامل حريته من خلال سلوك يحكمه الدين ثم العرف الاجتماعي ثم الأخلاق الإنسانية الفطرية, كما يتصورون, وللأسف تسلل هذا المصطلح وانتشر بين الأوساط الاجتماعية والوسائل الإعلامية لدرجة أننا رأينا مَن يمتدح نفسه بأنه: "ليبرالي إسلامي" أي أنه: مسلم منفتح ليس لديه أي مشكلة مع الفكر الليبرالي، ولخطورة هذا الفهم على المجتمع كان لا بد من توضيح حقيقة هذا المصطلح وبيان خطورته، لأن "الليبرالية" كما في كتاب "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة" تأخذ بمبدأ النظام الرأسمالي الذي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي أو بمعنى أدق فصل الدين عن الدولة، ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي يؤكد هذا المذهب القبول بأفكار الغير وأفعاله ولو كانت متعارضة مع الدين بشرط المعاملة بالمثل. وكان لإشاعة هذا المصطلح دور خطير حول خوف المجتمع السعودي وخشيتهم من تأثير انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية في السماح لدخول السلع المحرمة شرعا إلى بلادنا, فكان استضافة جريدة "الاقتصادية" لمعالي وزير التجارة والصناعة الدكتور هاشم يماني يوم الأحد 11/12/2005 بحضور نخبة من الكتاب والمسؤولين ودار الحديث حول انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية، وقام معاليه بقفل باب هرج الأقوال والمزايدة حول انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية ومدى تأثيره على الضوابط الشرعية التي تنتهجها المملكة وتحديداً حول دخول السلع المحرمة "لحم الخنزير ـ الكحول" وذلك في حديث شامل استخدم فيه مبدأ الشفافية والاستقراء لما يدور في أذهان الكثير من أبناء المجتمع السعودي وتفضَّل معاليه بالإجابة عليها بإيجاز دقيق وواضح، مستعرضاً جميع جوانب المفاوضات التي تمت، مُبيناً الجهد الذي بُذل من جميع المسؤولين الذين تحملوا مسؤولية المناقشات خلال الفترة الأخيرة من المفاوضات. أما الحديث عن السلع المحرمة فهو ردٌ على المصطلح الغريب, ليبرالي إسلامي الذي يحاول البعض إلصاقه بنا. ويكشف معالي الوزير كذلك أن إصرار المفوَّضين السعوديين كان واضحاً وحاسماً وهو الرفض الجازم من بداية المفاوضات بنص تصريح الوزير حين سئل "ماذا تعني بسلع محرمة" وطلبوا أن يترجم ذلك إلى وضع سقف جمركي يصل إلى ألف في المائة، لكن المفوَّضين رفضوا مناقشة هذا الأمر بتاتا، وأقنعوهم في نهاية المطاف بأنه لا يمكن لأحد أن يبت في هذا الأمر لأن هذه السلع محرمة شرعاً في الدين الإسلامي. وأضاف معالي الوزير معترضاً على ما تتداوله بعض الصحف "أن انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية معناه دخول أشياء محرمة إلى الوطن" بأن هذا أمر غير صحيح، وهذا الموضوع من الأشياء التي حسم أمرها بالمنع، علماً بأنه تخلل هذا اللقاء نقاش حاد حول هذا الموضوع، فكانوا يقولون للمفوضين السعوديين هل عندكم آليات للحد من دخول هذا الأشياء؟ وكان ردهم القاطع "لدينا منع مطلق وليس آليات للحد". وليعلم كل من يروج في الأوساط الإعلامية أو في المنتديات "الإنترنت" أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي وضعت شرط "عدم دخول لحم الخنزير والكحول والمواد المحرمة" عند حصولها على عضوية المنظمة، وهذا الأمر جاء بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهود المخلصين من أبناء الوطن الذين استطاعوا الدفاع عن المفاهيم والثوابت التي تقوم عليها السعودية وإقناع الدول الأعضاء، بل واكتساب دعمهم في إقرار المنع.
وكون المملكة هي أول دولة تمنع دخول لحم الخنزير والكحول يعتبر ميزة تحسب لها، وكذلك تعطينا انطباعاً بأن الدول الأعضاء تتفاعل معنا وتقدر مكانة السعودية في العالم الإسلامي. ومن هذا الجانب تستمر المزايدة الإعلامية بأننا لا نطبق نظاما اقتصاديا إسلاميا, والسؤال يدور حول وجود نظام متكامل بهذا الاسم, لأن الدين الإسلامي وضع لنا ضوابط وحدوداً لا نحيد عنها، حيث إن هذه الضوابط الشرعية وتلك الحدود الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان نظراً لمرونتها وتأقلمها مع كل المتغيرات اليومية لحياة المجتمع.
لذلك بإمكاننا القول إن الإسلام لا يتدخل مثلا في فتح السوق أمام الاستثمار الأجنبي أو إغلاقها, بل يقدم ضوابط لأنشطة هذه الأسواق, مثلما أشار إليه الوزير في حديثه عن السلع المحرمة التي لن تدخل أسواقنا إن شاء الله. أما مسألة رفع أسعار الجمارك وخفضها ومعاملة المِثْل وتقديم تسهيلات ورفع نسبة المستثمر إلى 75 في المائة في بعض أنواع الاستثمار مثل التامين وتجارة التجزئة, فهذا يخضع لنظام التجارة العالمية مباشرة وتؤثر فيه.. ختاما قال تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"