وسائل التطهير

إن النجاسة عين خبيثة متى زالت بالماء أو الشمس أو الريح أو وسائل التطهير أو الدلك زال حكمها ورُجع إلى الأصل وهو الطهارة، ففي السنن وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن كان فيهما أذى فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور" ومن المعلوم أن الطرقات محتملة للنجاسة ولم يرد النهي عن الصلاة في النعلين بل أمر بالصلاة فيهما مخالفة لليهود والنصارى, ولا يقال هذا في مساجدنا المفروشة إذ تلوثها الأحذية ويتأذى الناس بذلك ويمكن العمل بهذه السنة في الأماكن غير المفروشة والمساجد تصان عما ينجسها أو يلوثها. أو حتى بسبب الأذى للمصلين.
ومن الناس من يتحرج أن يصلي في الأماكن التي لا يعرف حالها أو يكثر طارقها ظناً منه أن هذا احتياط للعبادة وبعد عن الشك، وقد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن احتمال نجاسة الأرض لا يوجب كراهة الصلاة فيها بل ثبت بسنته أن الأرض تطهر بما يصيبها من الشمس والريح والاستحالة, فالاحتمال لا يلتفت إليه والتراب مطهر لما يلاقيه في العادة, وهنا مسألة يحسن التنبيه عليها وهي طهارة المتنجس بالاستحالة, والاستحالة هي تحول الشيء من حال إلى حال فقد يكون نجسا ثم يتحول بعد فترة إلى حال أخرى والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, وهذا عام في كل ما يستعمله الناس اليوم مما أصله النجاسة, والصحيح في هذه المسألة أن النجاسة تطهر بالاستحالة فإن نفس النجس لم يطهر لكن تحول إلى شيء آخر وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس وإن كان متحولا منه فلكل حكمه وصفته، قال شيخ الإسلام: من قال إن الاستحالة لا تطهر فتوى عريضة مخالفة لإجماع المسلمين, فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم, والخمرة إن انقلبت بنفسها خلا طهرت بإجماع المسلمين, أما إذا خللها بنفسه فلا يجوز لا لنجاستها ولكن لتحريم الشارع لما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا أي - تحول خلا - قال: لا, أخرجه مسلم, ولأن التخليل عمل ليس عليه أمر الله ولا رسوله فيكون باطلا فلا يترتب عليه أثره, قال عمر رضي الله عنه, لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها، والحكمة هنا هو خشية انتشار الخمر لقصد التخليل أو حتى تعلل من يقتنيها لقصد أن يخللها، أما إذا وجد خل تحلل من خمر بدون قصد فهو مباح وثبت عن طائفة من الصحابة قال ابن القيم: ولا يعلم لهم مخالف وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرما فلا يكون سببا للحل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم, أنها داء وليست بدواء إبعادا عن صنعها الذي قد يدعو إلى شربها وسدا لذريعة الحرام وتغليبا لجانب الحرمة، لذا وجب إراقتها إذ ليس في الشريعة خمرة محترمة، لأمره صلى الله عليه وسلم بإراقة خمر اليتامى وحرم إمساكها لقصد التخليل, والعلة في تحريمها المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل وقد تواتر تحريمها فلا يرده إلا كافر يستتاب على ذلك. يقول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي