إلزامية التعليم يا مليك القلوب
كان يحزنني كثيرا أن أجد أحدا من أبناء جيلي وهو لا يعرف القراءة والكتابة ولم يذهب يوما إلى المدرسة، لكن الأدهى من ذلك أن أجد في وقتنا الحالي من هم في سن أبنائي ولم يذهبوا إلى المدارس، خاصة البنات.
إلزامية التعليم بدأتها الدول المتقدمة وطبقتها بحذافيرها دون تهاون، حتى اقتنع الشعب وعرف أهمية ودور العلم وأن لا تقدم ولا تطور إلا به.
مملكة الإنسانية بذلت جهودا كبيرة وجبارة في تحويل المجتمع من بدو رحل إلى حاضر وحضارة، وقدمت في سبيل ذلك الكثير من المغريات والمحفزات مثل الرواتب الشهرية، التغذية المدرسية، المنح، القروض السكنية، وكذلك الأراضي، وكل ما من شأنه أن يسهم في ترسيخ أهمية العلم وتحويل المجتمع إلى متعلم، واع، وأوصلتهم إلى النهر، وفي بعض الأحيان تسقيهم، كي ينهلوا من بحر العلم والمعرفة ليتطوروا ويسهموا في رفعة وطنهم.
هل يوجد في مجتمعنا من لم ينل حظه من التعليم، وخاصة البنات؟
الإجابة عن هذا السؤال تؤلمني وأحزنتني كثيرا عندما تيقنت وتأكدت أنها "نعم"، وأن هناك أعدادا لا يستهان بها ممن لم ينل، أو لم تنل، نصيبا من التعليم ولو الابتدائي، ولا يستطيعون القراءة والكتابة.
أمهاتنا اللاتي تجاوزن السبعينيات بدأن بالذهاب إلى مدارس تحفيظ القرآن الكريم ومحو الأمية بعد أن أدركن أهمية العلم وحاجتهن إلى التعليم وقراءة القرآن الكريم والتعرف على أصول الدين والثقافات الأخرى، في زمن الكم الهائل من المعلومات التي تحتاج إلى الكثير من التحليل والإدارة.
لقد استطعنا، بجهود وأفكار الخيّرين من أبناء هذا الوطن الحبيب، أن نلزم الجميع بالتطعيمات واللقاح الوقائي للأطفال، التحكم بتسديد المخالفات المرورية والحد منها، وكذلك الكثير من الأمور الإيجابية في ظل التطور وتطبيق التقنيات الحديثة، فهل نستطيع أن نصدر قرارا بإلزامية التعليم في المراحل الابتدائية والمتوسطة؟
الأمر ليس بالمستحيل، وبإمكاننا القيام بذلك، في ظل ولاة أمرنا الأخيار وإمكانياتنا المتوافرة ورجال الوطن المخلصين، بحيث لا يستطيع أي شخص إنهاء أي إجراء ما لم يُدخل أبناءه وبناته المدارس، وتتكون فرق للتفتيش ومعاقبة المتهاونين، وربط ذلك بالحاسب الآلي على مستوى المملكة.
نحن مسؤولون عن كل فرد من أبناء وبنات هذا الوطن الحبيب، فكيف نحرمهم من فرصتهم التعليمية؟ وإذا كان الأب جاهلا ومتخلفا ولا يدرك أهمية ذلك ولا يحرص على مستقبل أبنائه وبناته، فعلينا إلزامه وإجباره على القيام بذلك، لأن إحدى أهم مسؤولياتنا هي تعريف المجتمع بأهمية العلم وإرشادهم إلى سواء السبيل بالتوعية، وإذا لزم الأمر بالإجبار والإكراه، لحين يعي الشخص ويختار طريقه بنفسه.
لست أطالب سوى بإلزامية التعليم ولو إلى المرحلة المتوسطة، وأضعف الإيمان المرحلة الابتدائية، فهل نرى قرارا يصدر ويطبق ويتابع بهذا الشأن، أم ستتشكل لجان ويتفرق دم الأمية ويزداد عدد الأميين والمتخلفين في وطننا الحبيب؟
أملي كبير في أن يصدر مرسوم ملكي من "وجه الخير" و"صقر العروبة" يلزم الجميع بالتعليم إلى مراحل معينة.
يستثمر من يدرك أهمية التعليم أكثر من ثلث دخله المادي لمصروفات التعليم والالتحاق بجامعات مرموقة، فما بال البعض يحرمون أبناءهم من التعليم ، وهو بالمجان، نتيجة أفكار وعادات متخلفة وبالية؟
حتما سنرى قرارا بهذا الشأن، لأن بقاء أحد أبنائنا أو بناتنا أميا لا يرضي من يهمه أمر مملكة الإنسانية .. والله من وراء القصد.