التنمية الفعلية وتشتيت الجهود والموارد
لا يمكننا التعامل والتطور مع النظام العالمي الجديد وكذلك تحقيق التنمية الفعلية إلا بتضافر الجهود واستثمار الموارد المادية الهائلة في إطار تكاملي شامل يوضع في أولوياته سد العجز الهائل في القدرات والطاقات البشرية المدربة والمؤهلة من أبناء مملكة الإنسانية.
يبدو أننا لم نتعلم من تجاربنا السابقة، وخبراتنا المحملة بالأخطاء والكبوات رغم النجاحات والقفزات الكبيرة التي تحققت.
مازلنا نكرر الأخطاء السابقة، والأدهى من ذلك أننا نعرف ذلك مسبقا، ولم نتوقف ونبادر لحل المشكلة من جذورها جهلا منا أو ظنا أننا نعطل عجلة التنمية بوقفة تأمل.
لكننا في الحقيقة نتسبب في الكثير من العثرات والكبوات التي تحطم التنمية الفعلية وتتسبب في هدر الموارد والميزانيات الهائلة.
كل جهة خدمية لدينا يهمها في المقام الأول أن تبادر في إنجاز مشاريعها وخططها التي رسمتها مسبقا، ولا تضع التنسيق والتكامل مع الآخرين ضمن أولوياتها، ويفتقد الكثيرون التنسيق في ما بين إنشاء هذه المشاريع المستقبلية وتشغيلها، لتتكدس هياكل الأسمنت وأكوام الحديد دون استفادة منها لعدم توافر مشغلين لهذه المنشأة أو تلك.
هناك حلول مؤقتة لتشغيل المنشآت وهي الاستقدام، ومنذ سنوات خلت ونحن نعتبرها مؤقتة، حتى تضاعفت أعداد المتعاقدين والمستقدمين من الخارج أضعافا مضاعفة خلال السنوات الماضية.
أي حل مؤقت وأي توقيت، هذا الذي يستمر لجيل كامل، وقد يستمر لأجيال أخرى؟
هناك الكثير من المشاريع العملاقة تحت التنفيذ وسيتم افتتاحها خلال سنوات قليلة، فمن سيقوم بتشغيلها؟
هل من أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال؟
هل سنزيد أعداد العقود والمتعاقدين، أم ننتظر تحسين مخرجات التعليم التي يئسنا من وعود القائمين عليه وما فتئ مسؤولو التعليم العالي والمهني الإشادة والإعلان عنها في تقاريرهم الورقية وتصريحاتهم الصحافية؟
علينا الاعتراف بحقيقة لا يمكن تجاهلها عن المستوى المتهالك لمخرجات تعليمنا بشقيه الأساسي والعالي وكذلك المهني، ثم البحث عن الوسائل والحلول لحل هذه المعضلة.
إن خريجي الجامعات، الكليات، والمعاهد العلمية والمهنية ليسوا على درجة عالية من التأهيل تمكنهم من القيام بمهامهم المهنية على أكمل وجه، بل إنهم يفتقدون أبجديات التأهيل.
ولا يعتبر هذا قصورا منهم، بل يكمن في الطاقم التعليمي والمناهج الفنية وورش العمل التي أكل الدهر على الكثير منها وانقرض الكثير من محتوياتها.
أي عقم وتخلف تحتويه مناهجنا المهنية وأي مؤهلات وقدرات يمتلكها معلمو هذه التخصصات المهنية؟
إننا في أمسّ الحاجة إلى جيل من المؤهلين القادرين على التعامل مع التقنيات الحديثة بشتى أنواعها وبمهارات عالية، وهذه هي التنمية الفعلية من وجهة نظري الشخصية.
ما الذي يحول دون ذلك؟ الميزانيات الهائلة متوافرة ، المباني موجودة، وكل العوامل المادية والدعم المعنوي من ولاة الأمر متوافر وبلا حدود أو قيود.
إذن ما نفتقده هو الإدارة الفعلية والتخطيط السليم من أصحاب القرار ومن هم على هرم المؤسسات التعليمية والخدمية لتنسيقها في إطار تنموي وتكاملي للاستفادة من الإمكانيات المادية والبشرية المتوافرة.
يبرر بعض المسؤولين في الجهات الخدمية، تعطل منشأة ما عن التشغيل وتقديم الخدمات، بأنهم قاموا بواجبهم وأن سبب التعطيل وعدم الاستفادة من الإمكانيات المتوافرة، هو الآخرون.
أين التنسيق والإدارة الفعلية والتخطيط السليم لكافة الجوانب المتعلقة بالمنشأة منذ أن كانت فكرة واحتياج إلى أن تصبح خلية نحل لتقديم الخدمة فعليا؟
سؤالي الأخير: هل سنجد مشغلين للمنشآت والمشاريع العملاقة التي أقرتها الدولة خلال ميزانيات الأعوام المقبلة؟
إن كانت الإجابة بالنفي، فأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى هدر المزيد من الميزانيات في هياكل الأسمنت وأكوام الحديد، مهما كانت هذه الأكوام تحوي من تقنيات متقدمة.
والله من وراء القصد.