الرخص المتعلقة بالمرأة (3)

إن مما يصيب النساء ويلحق بهن المشقة خروج الدم وعدم انقطاعه وهو ما يسميه العلماء الاستحاضة، وقد علق بها الشارع الحكيم رخصا وأحكاما تدفع الحرج والمشقة وتجلب التيسير، والاستحاضة سيلان الدم في غير وقته المعتاد وعدم انقطاعه، وهو دم مرض وغالبا ما تخالف صفته صفة دم الحيض، لذا فإن الدم الذي يأخذ صفة دم الحيض يأخذ حكمه، والذي لا يأخذ صفته يأخذ حكم الاستحاضة، فعليها أن تصلى وتصوم إذا كان الدم متميزا لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، قالت: يا رسول الله إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا أدبرت فأغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه. ولأبي داود "دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فامسكي عن الصلاة" وإن كانت صفة الدم واحدة جلست غالب الحيض ستا أو سبعا لحديث لحمنة قالت يا رسول الله: "إني أستحاض حيضة شديدة كبيرة منعتني الصوم والصلاة, فقال: تحيض في علم الله ستا أو سبعا ثم اغتسلي"، رواه الإمام أحمد وغيره وعملا بالغالب.
والمستحاضة تأخذ حكم المرأة الطاهرة في العبادات كلها في وجوب الصلاة والصيام في رمضان وجواز مس المصحف بدون حائل ووطئها في الصحيح من أقوال العلماء، لأن حمنة تستحاض وكان زوجها طلحة يطؤها وأم حبيبة كذلك رواه أبو داود. وتأخذ حكم من به سلس بول أو من حدثه دائم لا ينقطع في الطهارة فتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ولو كان الدم مستمرا في الخروج وتضع شيئا يمنع تعديه وتلويث ملابسها لقوله صلى الله عليه وسلم "أنعت لك الكرسف أي القطن تحشين به المكان, قالت يا رسول الله إنه أكثر من ذلك قال تلجمي".
فإن غلب الدم وقطر لم تبطل طهارتها ولا يلزمها إعادة تنظيف المكان لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم"، ويشترك معها في هذا الحكم من به باسور فيصلي على حسب حاله، وإذا خرج وقت الصلاة انتقض الوضوء لقوله، صلى الله عليه وسلم: "توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"، وفي لفظ "لوقت كل صلاة" صححه الترمذي، وتصلي بوضوئها ما تشاء من النوافل والسنن، وإن كان الدم ينقطع أحيانا غير معلومة أو محددة فلا عبرة بهذا الانقطاع خصوصا إذا كان يسيرا.
وليست المستحاضة كالحائض من كل وجه حتى تقاس عليها بل فرق الشارع بينهما، لأن دم الحيض أعظم وأدوم ودم الاستحاضة دم عرق وهو في الفرج بمنزلة الرعاف في الأنف وخروجه مضر وانقطاعه دليل الصحة فهو نوع مرض يتداوى منه ولا يستوي الدمان حقيقة ولا حكما ولا سببا قال النووي: "ولا يثبت للمستحاضة شيء من أحكام الحيض بلا خلاف, ونقل ابن جرير الإجماع بأنها تقرأ القرآن وأن عليها جميع الفرائض التي على الطاهر".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي