لا نريد خبراً عاجلاً .. عنوانه "إنفلونزا الطيور" في السعودية

<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>

مررنا بتجارب سابقة في التعامل مع الكوارث خلال فترة وجيزة، وهي: جنون البقر، والوادي المتصدع، ونفوق الأسماك على شواطئ جدة وجازان، وأخيراً حمّى الضنك في جدة. وها نحن نواجه آخر أخطار الكوارث وهو مرض إنفلونزا الطيور، وما نتمناه هو ألا تطلعنا وكالات الأنباء والقنوات الفضائية، على خبر عاجل عنوان "إنفلونزا الطيور". لست هنا في مجال محاولات إحداث "بلبلة" أو مخاوف، فهناك معلومات أكيدة مصدرها مستشفى الملك فهد في جدة أنها استقبلت حالة "اشتباه"، تخضع حالياً لتقويم مستمر في مستشفى المحجر.
نعود إلى نقطة البداية، لقد أثبتت التجارب أن المشكلة الكبرى في هذه الكوارث جميعها، أننا لم يكن لدينا أي خطة طوارئ في التعامل مع الأزمات، بل دلت التجارب أن كل التحذيرات الأولية لم يلق أحد لها أي بال أو أذن صاغية، ففي تجربة حمّى الوادي المتصدع يتذكر الجميع كيف أن مواطناً من مدينة جازان تقدم إلى وزارة الزراعة والمياه سابقاً، وأبدى ملاحظة وحذر من مرض غريب يتفشى بين الأغنام، فلا أحداً سمعه أو نظر إليه، وكانت الكارثة متأخرة وتفشى الأمر.
والأمر نفسه انطبق أيضاً في كارثة نفوق الأسماك وحمّى الضنك أخيراً، إذ حذرت هيئة الأرصاد والبيئة السعودية وهيئة المساحة الجيولوجية من آثار وخطورة استمرار رمي الصرف الصحي في البحر وعدم دفن مستنقعات الأمطار، وانعكاسها على تفشي أمراض خطيرة على الصحة العامة.
وفي مرض إنفلونزا الطيور تحديداً، فإن القطاع الخاص ممثلاً في مجلس الغرف السعودية مطالب أكثر من غيره لدعم جمعية منتجي الدواجن لتجنب حدوث أي خلل في مشاريع واستثمارات قطاع الدواجن، تفادياً لتكرار سيناريو ما حدث في مصر، ففي هذه الدولة وعلى رغم تحقيق هذا القطاع الاكتفاء الذاتي، إلا أنه في الأشهر القليلة السابقة واجه مرحلة حرجة وخطرة وتكبد خسارة كبيرة تجاوزت قيمتها مليار جنيه حتى نهاية آذار (مارس) 2006، بسبب توقف المواطنين على شراء الطيور والبيض وذلك بسبب ظهور حالات مرض إنفلونزا الطيور لعدد من سكان محافظات مصر مما أسهم للأسف في تعرض هذه الصناعة المهمة إلى أصعب اختبار لها خلال سنوات عمرها، حيث انخفضت ووصل حجم الخسائر اليومية في مجال إنتاج دواجن التسمين إلى نحو سبعة ملايين جنيه بإجمالي مليوني دجاجة تسمين، كما تتعرض صناعة بيض المائدة لخسائر كبيرة تقدر بمليون جنيه حيث تنتج مصر 20 مليون بيضة يوميا، ما هدد استثمارات هذا القطاع البالغة نحو 17 مليار جنيه وهروب الاستثمارات إلى بعض الدول الأخرى المنافسة مثل تونس وغيرها من الدول وساهم في عطالة أكثر من نحو خمسة ملايين مواطن مصري.
وبعودة إلى استثماراتنا السعودية في هذا القطاع فإن خط الدفاع الأول هو وزارة الزراعة ووزارة الصحة، والعمل والتنسيق معهما في سباق مع الزمن، ثم الخط الدفاعي الثاني مع جمعية منتجي الدواجن في السعودية، أن تضع خطة للحد من انهيار هذا القطاع المهم, ويكون البند الأول في أجندة الاجتماع كيفية اندماج مشاريع الدواجن فيما بينهم لتكوين كيانات عملاقة تستطيع مواجهة التحديات والانعكاسات المحتملة على قطاعها وحماية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعدم خروجها عن السوق لعدم قدرتها على التنافس أو مواجهة المرض خاصة أن هناك الشركات العالمية التي تستغل هذا الحدث لتغزو السوق السعودية.
إن الحكومة اهتمت اهتماماً كبيراً بصناعة الدواجن منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان، وأهم الاهتمام الدعم المستمر الذي وفرته الحكومة لتحقيق نقلة نوعية كبيرة في إنتاج الدواجن وظهور مشاريع حديثة وعملاقة مما ساعد على سد الفجوة في الطلب على منتجات الدواجن من اللحوم البيضاء والبيض، حيث بلغ حالياً نسبة الاكتفاء الذاتي من لحوم الدواجن معدل 76 في المائة، كما أن نسبة إنتاج البيض بلغت 100 في المائة وكل ذلك ساهم في تخفيض قيمة الاستيراد من الطيور وكما هو معلوم أن السعودية تستورد سنويا نحو 18 مليون دجاجة من كل من فرنسا والبرازيل وبريطانيا. شهد قطاع استثمارات الدواجن في السعودية تطوراً كبيراً فارتفع الإنتاج من نحو 15 ألف طن في عام 1975م ليصل إلى نحو 800 ألف طن في عام 2005م محققاً بذلك معدلات نمو سنوية عالية، ويعزى هذا التطور الكبير إلى سياسة الدعم والتشجيع التي انتهجتها حكومتنا الرشيدة لتطوير هذا القطاع الحيوي والمهم، فقد خصصت في ميزانياتها المالية للسنوات الأخيرة مخصصات مالية كبيرة لدعم وتطوير هذا القطاع عن طريق دعم المستثمرين لإنشاء مسالخ كبيرة وحديثة للدواجن وتطوير المعدات والأجهزة الإلكترونية الحديثة في مجال إنتاج الدواجن والبيض، وكذلك الجهود التي تبذلها الحكومة للحد من خطورة انتشار بعض الأمراض وخاصة مرض إنفلونزا الطيور. وبالإضافة إلى ذلك كله، ساهمت البنوك والهيئات المانحة الحكومية والخاصة على تطوير هذا القطاع من خلال القروض الميسرة التي قدمتها تلك الهيئات إلى القطاع الخاص لتطوير صناعة الدواجن مما ساهم في بلوغ المملكة مكانة مرموقة بين دول العالم في تلك الصناعة. أيضا تشير الإحصائيات إلى أن السعودية تحتل المركز الثالث عالمياً من حيث استهلاك الدواجن (نسبة إلى إجمالي السكان)، حيث إن استهلاك الفرد السعودي سنويا يمثل ما نسبته 55 في المائة من بروتين الدجاج، بينما في المتوسط العالمي يصل استهلاك الدجاج إلى 20 في المائة من البروتين ويعتبر ثمن بيع الدجاجة في السعودية أيضا قليلا إذ لا يتجاوز قيمة الدجاجة ما نسبته 30 في المائة فقط من قيمة البروتينات الأخرى مثل اللحوم والأسماك. إضافة إلى ذلك وحسب إحصائيات عام 2005م بلغ حجم الاستثمارات في مشاريع الدواجن المحلية نحو 480 مشروعا ومزرعة، وبلغ قيمة الاستثمارات في هذا القطاع بنحو 35 مليار ريال، وبإنتاج سنوي يصل إلى 700 مليون دجاجة ونحو ثلاثة مليارات بيضة إضافة إلى 700 مليون صوص لاحم وبياض. وتشير الإحصائيات أيضا إلى أن متوسط استهلاك الدجاج يختلف حسب مناطق المملكة حيث يصل متوسط استهلاك الدواجن في المنطقة الجنوبية بـ 25 كيلو جراما فيما يزيد على 45 كيلو جراما في المنطقة الوسطى والغربية. كما تشير الإحصاءات الصادرة عن إدارة قسم الإحصاءات في وزارة الزراعة السعودية عن صناعة الدواجن إلى أن مشاريع الدواجن تتركز غالبيتها في كل من مدن الرياض والشرقية وعسير والقصيم ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجازان حيث إن نسبة المشاريع المنفذة في تلك المدن وحدها تشكل ما نسبته 89 في المائة، وحظيت مدينة الرياض بالنسبة الكبرى حيث تجاوزت النسبة 24 في المائة وأتت الشرقية بالمرتبة الثانية بنسبة 23 في المائة ثم منطقة عسير بنسبة 14 في المائة ثم القصيم بنسبة 11 في المائة ثم مكة المكرمة بنسبة 8 في المائة ثم المدينة المنورة بنسبة 6 في المائة، وأخيرا جازان بنسبة 3 في المائة.
ختاما, نقدر الدور الكبير لوزارة الزراعة والهيئات التابعة، وهو دور حيوي ومهم للحد من انتشار مرض إنفلونزا الطيور من خلال إصدار تعليمات جديدة كمثال على ذلك تطبيق قرار منع نقل الدجاج الحي بين مناطق السعودية وذلك منعا لانتقال هذا المرض بين المزارع، إلا أنه غير كاف فقط التعليمات بل الخروج الميداني واتخاذ قرارات حاسمة للكل من لا يلتزم بها، وكذلك اشتراط التعاون الوثيق مع مجلس الغرف السعودية في حل هذه المشكلة وتكوين فريق علمي متخصص لدراسة إنشاء كيانات لذبح وتجهيز وتسويق منتجات الدواجن داخل المناطق المحددة واستعراض مرئيات أصحاب المزارع فيما يختص بمستقبل هذه الصناعة، والتنسيق ما بين وزارة الزراعة السعودية والمنظمات الدولية ذات الصلة مثل المنظمة العالمية للصحة الحيوانية "OIE" ومنظمة الصحة العالمية."WHO"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي