المسيار والحلول
<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>
لقد كان تفاعل القارئات والقراء مع موضوع زواج المسيار وتحليل المجمع الفقهي له في اجتماعه الأخير في مكة المكرمة مشجعاً على المضي في الكتابة والتوسع بعض الشيء في بعض النقاط المرتبطة بالتعليقات والردود، مما لم يكن بالإمكان المرور عليها مرور الكرام.
وللتوضيح ولمعلوم القراء ممن اعتقدوا أني أتصدى للفتيا، فأقول إني لا أفتي ولا أدعي قدرتي على ذلك، فإن كل ما أقوم به هنا هو توضيح موقف هذا النوع من الممارسات المستحدثة وتأثيرها في المرأة والمجتمع من الناحية الاجتماعية والدينية حسبما نفهمه كعامة من الكتاب والسنة وليس من المجامع الفقهية التي مهما كان بها من الفقهاء الأفاضل، فهم مجتهدون. ولمن كان يقول إن اعتراضي على ذكورة الفقهاء اعتراض في غير محله لأنهم يحكمون بشرع الله، أقول إنهم يجتهدون رأيهم ولا يفتون في أمرٍ الأمر فيه قد فُصل بالكتاب أو السنة. فقبل أن يتسرع بعض القراء أو بعض الغيورين على الحق الذكوري ويكيلوا الاتهامات أو يستبقوا الأحكام، أن يتمهلوا ويمعنوا قراءة ما أكتب ولا يحمّلوا النص أكثر مما يحتمل. وأكثر ما آمله هو ألا يحيلوني إلى نساء الغرب وما فعله الغرب بنسائه فهذا ليس شأني ولا يعنيني، إنما شأني هو المرأة المسلمة في وطني وحرصي على ألا تُستغل تحت أي ظرف، وإن أرادت الدخول في عقد المسيار أن يكون ذلك وهي مدركة والمجتمع مدرك أنها لم تقبل بذلك إلا لأنها مضطرة.
إن الحلول في وجهة نظري، وبناء على استعراض رأي شريحة من النساء، بل بعض الشابات ممن عبرن عن آرائهن وحلولهن المعقولة في مقالات في الصحف مثل الشابة رولا الدريس (الرياض 20/5/2006)، تقوم في المقام الأول على تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً بأن تصبح سيدة نفسها ولا تكون وتبقى في حال احتياج مستمر إلى رجل ما في شكل زوج أو أخ أو معقب إذا أراد أن يستغلها يقوم بذلك دون أن يجد قانوناً يردعه أو يحميها. ومن تمكين المرأة تنويرها بحقوقها التي يجب ألا تتنازل عنها. فحتى لو أرادت لسبب أو لآخر، في ظل ظروفنا القائمة، أن تقبل بزواج المسيار، ينبغي أن تعرف أن الشروط التي يشترطها الزوج بتنازلها عن حقوقها تلك يمكن أن تنقضها بعد الزواج، لأن هذه حقوق لا يحق التنازل عنها لو أرادت التراجع عنها، خاصة النفقة أو نفقة أبنائها. بالطبع سوف تواجه المرأة مشكلة أنها حتى ولو كانت تعرف حقوقها وقامت بنقض الشروط إلا أن تنفيذها ليس بيدها، كما أنه ليس لها قوة قانونية تستطيع بها فرض الشروط، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى مشكلة المحاكم.
ومن الحلول الرئيسية؛ أن تفرض عقوبة على عضل النساء وألا تترك إلى شهامة الرجال ومروءتهم، وأن يفتح المجال للنساء ليتزوجن من غير سعوديين دون أن يفقدن حقوقهن أو حقوق أبنائهن. التوسيع على النساء ممن يقعن ضحية عُقد القبلية والعصبية، عصبية الجاهلية، التي تقيد زواجهن بفئة معينة، تاركين أمثلة الاقتداء بسيد الخلق في تزويجه ابنة عمه الشريفة من زيد بن حارثة المولى لتكون سابقة في كسر الأولويات التي عليها يقوم تقييم الإنسان المسلم، بأن يسبق حسنُ الإسلام الحسبَ والنسب. ومن الحلول كذلك إعطاء الولاية للمرأة لتزوج نفسها، ولاسيما إذا كانت واقعة تحت عضل من أب أو أخ لأي غرض من الأغراض، وأن ترفع عنها وصاية المحرم ما دام بلغت سن الرشد وأصبحت مكلفة ومسؤولة أمام رب العالمين. ومن الحلول المباشرة كذلك وإن كانت سوف تستغرق زمناً غير معروف، حل مشكلة بطالة الشباب، وتدني الرواتب، وارتفاع مستوى المعيشة. اقترح أحد القراء، الأخ عبد الملك فراش أن يُطالب الفقهاء بمشروع صندوق لتمويل زواج وإسكان الشباب في العالم الإسلامي باعتبار السعودية قدوته وقائدته، لإحصانهم بدل اللجوء إلى الزواج الذي تنقصه "المروءة"، على حد قوله.
يذكر أحد القراء (الحيدري) أنه كرجل لا يرضاه لنفسه رغم أن فيه المرغوبات وتنتفي عنه التكليفات، ويرى أن الخطأ لا يبرر الخطيئة وقبول المرأة بهذا الإجحاف لا يجعله عدلا والزواج ليس رحلة نهرية أو نزهة برية, إنه نسيج تكتمل به الحياة. كما يرى أن ما أوصلنا إلى هذا الحد من الاستغلال هو تراكمات من سوء استغلال الولاية، ويقترح بعض الحلول الواقعية التي يربطها بتعليم الصبي احترام الفتاة والمرأة فلا يكبر وهو ينظر إليها كفريسة محتملة أو هدف مرغوب، أو أن ينظر إليها كقريبة تشكل عبئا عليه. وينبغي أن يُعلّم الصبي أن الولاية ليست تشريفا وسلطة إنما تكليف ومسؤولية.
في رأيي أن هذه الحلول ترد على من يدعي أن في المسيار حلا لمشكلة تأخر سن زواج الفتيات أو ما يطلقون عليه "العنوسة"، التي توضح كيف يمكن القيام بذلك دون أن تُهان المرأة أو تُسلب حقوقها.
ووددت أن أضيف بعض ردود القراء مما وجدته معبراً ليضم إلى هذا المقال. فهذا عبد الحي الغامدي يدعو قبل المضي في عقد كعقد المسيار إلى الأخذ في الاعتبار القاعدة الشرعية من قوله (ص) "الإثم ما حاك في النفس وخفت أن يطلع عليه الناس". ويضيف عبد الملك فراش: أن المسيار زواج قد يكون مكتملاً صوريا إلا أنه ناقص أخلاقيا ودينيا، إذ لا يجوز أن ُتستغل حاجة المرأة إلى الإعفاف والإحصان لتهضم حقوقها، بل إنه من عدم المروءة دينياً أن يُقال إنه "زواج مستكمل الأركان والشروط وهم يعلمون الغبن الواضح فيه". الأخ محمد رشوان، مصري مقيم في الدمام، يذكر في حوار له مع عدد من السعوديين حول هذا الموضوع أنه يتوقع أن تزيد حالات المطلقات و"العانسات" والأبناء الذين لا يعرفون أين آباؤهم كنتاج لزواج المسيار.
وفي إحدى قصص المسيار أن رجلاً سبعينياً تزوج من أرملة وصرف عليها كثيراً ثم طلب منها أموراً غير شرعية وعندما أخذت ترفض طلقها بعد سبعة أشهر من الزواج. وأخرى بعد زواجها بشهرين يتصل بها زوجها المسيّر ليخبرها بأنه طلقها في اليوم الفلاني الذي يسبق تلك المكالمة بكثير، وحتى اليوم لم تصل الورقة. وكلهم يشترطون عدم الإنجاب وإن كان لا يُسجل على الوثيقة.
وتقول سيدة أخرى: "نجد رجالنا يبقون على زوجاتهم طالما كانت شابة وصحيحة، مكتفين بالسراء وبشباب المرأة ويرمونها عندما تهرم وتمرض، وتكون الفضيحة لو طلبت المرأة الطلاق من زوجها المريض. فبدلاً من أن يُشجع الرجال على رعاية زوجاتهم في السراء والضراء نجد المجمع الفقهي يحلل المسيار كأن مشكلات العالم الإسلامي انتهت ولم تتبق إلا هذه القضية".
وأختم برأي الشيخ الدكتور محمد بن أحمد الصالح أستاذ الدراسات العليا وعضو المجلس العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يقول في بحثه حول زواج المسيار: "انتهى الرأي فيه عندي أن زواج المسيار غير صحيح وغير مباح إلا إذا وفّى الرجل بجميع حقوق المرأة. إن فيه من العبث والاستخفاف بالناس الكثير والكثير، لأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره وإذا كان الدين الإسلامي نهى عن كل معاملة فيها جهالة وغرر وهي في الأمور المالية والأمر فيها قد يكن هينا، فإن الغش والخداع لا يصح في عقد وصفه الله بالميثاق الغليظ، ويقول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله", ولأن القول بإباحة هذا الأسلوب من الزواج يتيح لأصحاب القلوب المريضة والنفوس الضعيفة مجالاً للعبث والتلاعب، ولأن هذا الزواج يتضمن إساءة وتشويهاً للإسلام لما قد يقال من عبث الرجال بالنساء، والاستخفاف بحقوق الآخرين على ما فيه من تعطيل للإنجاب ومنع للتناسل" (الرياض 9/6/2006).