فوضى الألقاب المهنية والوظيفية
<a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a>
تظل الألقاب المهنية والوظيفية ذات حساسية مفرطة لدى كثير من الناس وخصوصا أولئك الذين حصلوا على درجات علمية عالية أو من يشغلون وظائف قيادية في القطاعين العام والخاص. ولسنا كسعوديين الوحيدين الذين تشغلهم الألقاب أكثر من المسؤوليات الوظيفية أو متطلبات الدرجات العلمية من بحوث ودراسات وغيرها، بل إن حساسية الألقاب يشاركنا فيها أخوتنا العرب الذين يحرصون أكثر من غيرهم من شعوب العالم على تفخيم الألقاب وتعدادها كأن يقال على سبيل المثال سعادة الأستاذ الدكتور أو سعادة الدكتور مهندس أو سعادة العقيد دكتور، أو سعادة مدير عام الإدارة العامة. وهذا يأتي في سياق إعطاء المخاطب المكانة العلمية والوظيفية التي يستحقها وعدم التقليل من شأنه، في حين كان الأجدر الاكتفاء بمخاطبة الوظيفة لا شاغلها وبلقب واحد لا أكثر لأن كل لقب يجب ما قبله، كأن يقال سعادة مدير عام الشؤون المالية دون الخوض في اسم هذا المدير ولقبه المهني أو العلمي. وهذا ينطبق على جميع الوظائف الحكومية بما فيها تلك التي يشغلها وزير أو موظف على المرتبة الممتازة كأن يقال معالي وزير.... فقط. هذا على صعيد الألقاب الوظيفية، أما الألقاب المهنية والتي عادة ما تذكر قبل اسم صاحبها فهي أيضا لا تخلو من لبس مستغرب وفوضى أفقدتها أهميتها ووقارها وألبست في بعض الأحيان البعض ألقابا لا يستحقونها وفي أحيان أخرى ساوت بين شخصين بالرغم من فارق التأهيل بينهما.
فعندما يمنح حامل شهادة الدبلوم في تخصص الميكانيكا لقب مهندس مثله مثل الحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة النووية أو الصناعية أو غيرها فهذا فيه إسباغ لقب واحد على شخصين بينهما فارق في التأهيل المهني. والحال كذلك للأطباء العامين وحملة الماجستير عندما يطلق عليهم لقب دكتور بينما كان ينبغي أن يطلق عليهم لقب طبيب. وهنا أتذكر زميلاً لي كنا نطلق عليه لقب "الدكتور" وبعد مدة اكتشفنا أنه يحمل شهادة البكالوريوس من كلية الزراعة في تخصص الطب البيطري وهذا لا يعيبه ولا ينقص من مكانته إلا أن لقبه الذي درج على كتابته لا يتفق مع تأهيله العلمي.
وفي هذا الشأن يحرص المهنيون على ذكر ألقابهم مثل المحامي أو المهندس بينما لا يزال المحاسبون يتعففون عن ذكر لقبهم المهني قبل أسمائهم في مفارقة غربية وتستحق التأمل في وقت يحرص فيه زملاؤهم في كثير من الدول العربية على ذكره.
وفي بعض الأحيان تخدع الألقاب العلمية أو المهنية أصحاب العمل أو الجمهور وذلك عندما يتم التركيز على اللقب دون التخصص الدقيق. ولذا نرى اليوم كثيرا من المهندسين يشغلون وظائف لا علاقة لهم بها مثل الوظائف المالية التي ينبغي لشاغلها أن يكون مؤهلاً في علم المحاسبة بشكل جيد لأنها مهنة وليست وظيفة ترتبط بمبادئ وأخلاقيات ومعايير توضح أنواع المعالجات المالية لا يجيدها غير المتخصصين بعد دراسة طويلة. وكذلك عندما يعمل الشرعيون في مهنة المحاماة بالرغم من عدم تأهيلهم للعمل فيها.
وبمناسبة ذكر المحامين فهم أسرع الناس إطلاقاً للألقاب من غيرهم، فلقب المستشار يطلق على أي متخرج حديث من قسم القانون أو ما نسميه نحن بقسم الأنظمة، في حين كان الأجدر أن تكون هناك ضوابط مهنية لمنح هذا اللقب. وفي مهنة المحاسبة يمكن إطلاق لقب محاسب على حامل شهادة البكالوريوس في تخصص المحاسبة إلا أن إطلاق لقب محاسب قانوني يرتبط باجتياز اختبار زمالة المحاسبين السعوديين أو بتصريح لممارسة المهنة.
ويبدو أننا في المملكة مغرمين جدا بالألقاب أكثر من الذين جاءوا بها وأقصد بذلك الأخوة المصريين الذين تأثروا بالأتراك في هذا الشأن، فلقب محلل مالي أصبح يعطى لحامل شهادة لا علاقة لها بالعلوم المالية أو المحاسبية مثل الزملاء الاقتصاديين أو الإخصائيين الاجتماعيين أو حتى القانونيين، وحيث إنني لا أتصور أن يكون المحاسب طبيبا أو مهندساً فينبغي على الآخرين ألا يتصوروا أن يكونوا محللين أو محاسبين.
***
وقفة:
بعد نشر مقالتي السابقة يوم الإثنين الماضي والمعنونة بـ "بلوتوث حبحب على الرصيف وأمانة الرياض" تلقيت اتصالا هاتفيا كريما من سمو أمين مدينة الرياض أطلعني خلاله على الإجراءات التي قامت بها الأمانة بعد اكتشافها حادثة البلوتوث مشيراً إلى أن الأمانة أصدرت بيانا صحافيا نشر في العديد من الصحف حول الموضوع، كما أوضح سموه الجهود التي تبذل لترتيب أماكن آمنة للسعوديين الراغبين في البيع عن طريق السيارات والشروط الميسرة لهم. وتطرق أيضا إلى نتائج الحملات التي قامت بها الأمانة التي أظهرت أن معظم البائعين الجائلين هم من غير السعوديين والمخالفون لنظام العمل والإقامة. ولا شك أن متابعة سموه لما يكتب في الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى وتفاعله معها ينم عن أفق واسع وإدارك لأهمية دور وسائل الإعلام في مساندة الجهات الحكومية كافة في تحقيق أهدافها، كما أشيد هنا بالجهود التي تبذلها الأمانة بمنسوبيها كافة التي جعلت عاصمتنا الأبهى والأنظف والأجمل، بارك الله الجهود وسدد الخطى.