خسارة كرة أم شيء آخر؟

<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>

أصيب الشارع السعودي بخيبة أمل تتكرر مع كل مونديال. لكنه في كل مرة يعتقد أن فريقه قد بلغ من الخبرة والتجربة ما سوف يجعله يتعدى الخسارات السابقة ويقدم عرضاً مشرفاً يتوازى مع انتصاراته في آسيا. ولكن يعود ويكبي بمجرد أن يصل أوروبا وقبل ذلك أمريكا. هل هي عقدة الأجنبي أم أن الأجنبي الأوروبي متفوق فعلاً، وهل يمكن أن يكون تفوقه تفوقا جوهريا أم أنه ثقافي؟
إن نظرية جوهرية تفوق شعب من الشعوب أو تخلف أخرى كانت إحدى النظريات العنصرية التي أسس لها الأوروبيون ليبرروا بها استعمارهم الشعوب الأخرى غير الأوروبية فجعلوا بذلك الرجل الأبيض الآري ذا قدرات عقلية متفوقة تجعله سيداً على شعوب الحضارات القديمة في آسيا وإفريقيا التي تخلفت في فترة ما بعد القرن السادس عشر الميلادي حضارياً، ليجعلوا من ذلك ذريعة للنظريات التي تتالت ما بين التفوق الثقافي والتفوق البيولوجي.
لكن لماذا نخسر على أرض أوروبا وأمام الأوروبيين؟ إن خسارتنا تجري أمام أجناس أخرى كذلك، لكن هناك شيء ما يجعل فرق أوروبا المختلفة أكثر تفوقاً. إذا استبعدنا الفرضية البيولوجية للتفوق، فلا يبقى إلا فرضية الثقافة. وهذه يمكن أن تتفوق فيها شعوب على أخرى حسب أنظمتها التي سنتها لنفسها لتجعل من نفسها دولاً في مقدمة دول أخرى. ولعلي أود أن أشير هنا إلى ملاحظة أساسية بدت وتبدو لي كلما شاهدت مباراة سعودية، لاسيما على مستويات دولية خطيرة، ألا وهي افتقاد الفريق اللعب الجماعي.
في وجهة نظري أن افتقاد ثقافتنا العمل الجماعي ظاهرة لا تقتصر على لعبة الكرة فحسب وإنما تنسحب على كل مناحي الحياة لدينا. إننا ننظر ونتعامل مع ما حولنا بطريقة فردية ويمكن أن نقول باسترخاء، بطريقة أنانية. قد يكون للعب الفردي الذي قدمه الفريق السعودي أعذاره، ويمكن أن نتوقع أن هناك تميزاً سوف يناله مسجل الهدف مما يجعل الجميع يحاولون التسجيل على حساب اللعبة الجيدة التي تمرر الكرة ذهاباً وإياباً حتى يسددها الأقرب للهدف والأقدر على التسديد القوي. وربما تكون هناك حوافز مادية يحصل عليها صاحب الهدف على وجه التحديد مما يجعل كل لاعب يحاول أن يستأثر بالكرة. وعلى الرغم مما أعلن عن أن كل لاعب سوف يحصل على مبلغ 800.000 ريال إلا أن هناك "شرهات" تصل الهداف من أطراف أخرى يمكن أن تسيء إلى قرار المكافأة الجماعية الذي يتخذه اتحاد الكرة. وربما أن تصرف الشرهات ينعكس على هذه الثقافة التي نتحدث عنها، وهي ثقافة الفردية، بحيث إن المكافِئ يتعامل مع الهداف وكأنه الوحيد الذي صنع الهدف، ويغفل عن أن الهدف عمل جماعي، وكذلك النصر.
وكما ذكرت فإن هذا كان مجرد مثال على ظاهرة مشهودة في مجتمعنا السعودي والتي أود أن أشير إليها هنا، وليست السبب الوحيد لخسارة المنتخب أو تفوق الفرق الأوروبية. فظاهرة الأنانية والفردية في التعامل نجدها في الشارع، في السوق، في الجامعة، في المدرسة، في المستشفى وفي كل مكان. فما أسلوب السياقة العجيب لدينا من سقوط سائق على آخر أو من الالتفاف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتعطيل بقية السيارات التي في الخلف وتضييع الإشارات الخضراء عليهم ليصل أولاً أو تغيير المسارات بين الفينة والأخرى بشكل يحد على من يتقدم ذلك السائق، إلا مؤشر واضح على النظرة الأنانية، وما تجاوزنا للطابور في أي صف سواء على دواء في مستشفى أو معاملة في بنك أو لشراء تذكرة في الخطوط أو لتسجيل العفش في المطار أو للحصول على سندويتش في مقصف إلا إحدى هذه الدلالات. إننا نلاحظ أن الشعب السعودي على المستوى الفردي يكرر إرسال رسالة "أنا أولاً ومن بعدي الطوفان" طالما كان خارج منزله ومحيطه الذي يعرفه ويخشى من نظرته.
وفي نظري إن شعورنا بالانتماء من عدمه يرتبط بمدى لجوئنا إلى العمل على المستوى الجماعي. فعندما تكون هناك نظرة شمولية للطريق أو للمستشفى أو للمدرسة بأنها ملكية عامة تعود للجميع وأن لكل فرد حقا فيها مساويا للآخر تتغير طريقة تعاملنا مع الآخر ونصبح وحدة متكاملة. وترتبط قيمة "الاحترام المتبادل" بالتعامل على مستوى جماعي، ولكن النظرة الفردية الأنانية على المستوى العام تغلب التطبيق مما يجعل تطبيقنا لهذه القيمة نادراً، على الرغم من أن تراثنا العربي يزخر بمثل هذه القيم.
وينبغي في هذا الصدد أن نميز ما بين النظرية الفردية في تعامل الغربي مع ثقافته وبين العمل الجماعي الذي أعنيه، وما بين ما نمارسه من فردية تتضارب مع العمل الجماعي لدينا. فالحضارة الغربية تعزز الفردية في تثبيت شخصية الفرد واحتياجاته وعمله وعلاقاته، بحيث إن الفرد ورفاهه يكوّنان محور الحضارة الغربية. لكن من المهم إدراك أن هذه الفردية لم تخلق فرداً أنانياً يقدم نفسه على الجماعة فيما يتطلب العمل الجماعي لنجاح الجميع. إن ثقافة العمل الجماعي تغرس لدى الفرد منذ هو طفل في فصول ما قبل المدرسة، وتغرس كذلك ثقافة الاحترام للآخر وانتماء الفرد إلى الإنسانية جمعاء وليس إلى بيئته المحدودة فحسب، فتجده يهتم بالفقر في آسيا وبالمجاعة في إفريقيا وبالحيوانات في غابات الأمازون وبفتحة الأوزون في الفضاء الخارجي. ويمكننا عقد المقارنة بشكل تلقائي مع صور مدارسنا والثقافة التي نغرسها في أبنائنا والتي تنعكس في لا مبالاة بالناس وبالمكان مجرد أن يتركوا بيوتهم.
ليس هناك عنصر بشري متفوق بذاته، لكن التفوق تخلقه ثقافة الإنسان التي عمل على زرعها في نفسه وفي قريرة أبنائه منذ الصغر. إن حرصنا على بعضنا البعض وعلى العمل يداً بيد ليس دعوى غربية، إنه دعوى نجدها تتكرر في تراثنا العربي، الدعوة للعمل الجماعي ولعدم التفرق وكيف يسهل كسر الفرد بمفرده ويصعب ذلك على الجماعة المتكاتفة، هي ثقافة ضميرنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي