رفع سعر الفائدة على الريال لا يستهدف التضخم
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
فسر البعض قرار مؤسسة النقد أخيرا برفع أسعار الفائدة على الريال السعودي بأنه يستهدف الحد من معدلات التضخم. هذا الربط بين أسعار الفائدة ومعدلات التضخم ناتج عن الاعتقاد بأن أسباب ارتفاع معدلات التضخم وتأثيرات رفع أسعار الفائدة متماثلة في الاقتصاديين السعودي والأمريكي، بينما الواقع يشير إلى فروق جوهرية بين الحالتين.
فارتفاع أسعار الفائدة يسهم في الحد من التضخم عندما تكون الضغوط التضخمية في الاقتصاد ناتجة عن نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات تضغط على مستويات الأجور وأسعار السلع المنتجة. وبرفع معدلات الفائدة، تتراجع معدلات نمو الاستثمار والإنفاق الخاص، ما يحد من معدل نمو الناتج المحلي وبالتالي يخفف من الضغوط التضخمية. في حالة السعودية، معظم الضغوط التضخمية ليست ناتجة عن ارتفاع معدلات النمو، باعتبار أن قيود الإنتاج المحلية غير ذات أهمية أصلا بسبب الاعتماد الكبير على السلع المستوردة، وإنما تعود بشكل أساسي إلى انخفاض قيمة صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وإلى ارتفاع تكلفة الواردات تبعا لارتفاع معدلات التضخم عالميا بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام وأسعار السلع الأولية الأخرى.
من جانب آخر، فإن ربط سعر صرف عملة بأخرى يعني تلقائيا تنازل السلطات النقدية في البلد الذي ربطت عملته عن لعب أي دور حاسم في تحديد أسعار الفائدة محليا، وأن تصبح بالتالي مرتبطة بمعدلاتها في البلد الآخر. لذا فأسعار الفائدة على الريال السعودي مرتبطة بشكل مباشر بأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ما يجعل من غير الممكن توظيف تغيير أسعار الفائدة للتأثير على معدلات التضخم، وتغيير أسعار الفائدة يهدف فقط إلى تحقيق قدر من التوازن بين أسعار الفائدة على الدولار وأسعار الفائدة على الريال السعودي، ما يقلل من الضغوط على سعر صرف الريال أمام الدولار، ويحد من الجهد المطلوب من قبل مؤسسة النقد للدفاع عن ذلك السعر. ففي حال انخفاض تدفقات النقد الأجنبي للبلاد تبعا لانخفاض أسعار النفط العالمية، يصبح هناك ضغوط على الريال للانخفاض، ما يستدعي أن تكون أسعار الفائدة على الريال تزيد على أسعار الفائدة على الدولار. وفي حال ارتفاع أسعار النفط الخام كما هي حاليا، يكون هناك نمو سريع في حجم تدفقات النقد الأجنبي يولد ضغوطا على سعر صرف الريال للارتفاع، ما يستدعي تخفيض الطلب عليه من خلال تحديد أسعار فائدة تقل عن أسعار الفائدة على الدولار.
إلا أن عدم قدرة السلطات النقدية على التأثير في معدلات الفائدة لا يعني تلقائيا تهميش وتحييد أي دور للسياسات النقدية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. فرغم أن معدلات الفائدة على الريال خارج السيطرة، إلا أن معدلات السيولة المحلية تحت التحكم الكامل لمؤسسة النقد وتستطيع التأثير في معدلات نموها بشكل تام. وأدوات السياسة النقدية التقليدية كالاحتياطي القانوني وعمليات بيع وشراء السندات الحكومية، وإن كانت لا تؤثر في أسعار الفائدة، فإنه يمكن استخدامها لإحكام السيطرة على معدلات نمو السيولة المحلية، وهو ما قد يفوق في الأهمية قدرة تلك الأدوات على التأثير في أسعار الفائدة. فكما نعلم جميعا، فإن أكبر مشكلة اقتصادية واجهتنا أخيرا لم تكن ارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة وإنما نمو السيولة المحلية وفق معدلات تفوق كثيرا حاجة الاقتصاد المحلي، ما تسبب في ارتفاع مبالغ فيه في أسعار الأسهم المحلية تسبب في انهيارها لاحقا.
هذا الحديث يقودنا بالضرورة إلى مناقشة مدى جدوى استمرار تثبت سعر صرف الريال أمام الدولار في ظل التباين الحاد في الظروف الاقتصادية في البلدين. فالولايات المتحدة تعاني عجزا كبيرا في موازين مدفوعاتها الداخلية والخارجية، ومضطرة إلى رفع الفائدة على الدولار ليس فقط لكبح جماح التضخم، وإنما أيضا لمنع حدوث انهيار سريع لسعر صرفه أمام العملات الرئيسية العالمية، رغم أن مصلحتها قد تكون في استمرار تراجعه أمام تلك العملات على المدى الطويل. السعودية، في المقابل، تتمتع بفائض كبير في ميزانيتها العامة وميزان مدفوعاتها الخارجي، ويتوقع استمرار هذا الوضع الايجابي لسنوات عديدة مقبلة، وليس لها مصلحة في ارتفاع أسعار الفائدة محليا، كما أنه ليس من مصلحتها تراجع سعر صرف عملتها أمام العملات الرئيسية في العالم.
تعويم الريال خيار غير مناسب طالما لم نمتلك آلية تحد من تذبذبات تدفقات النقد الأجنبي على البلاد تبعا لتذبذبات أسعار النفط الخام، فتعويم الريال في مثل هذه الحالة يعني تلقائيا تعرض سعر صرفه لتذبذبات حادة تضر كثيرا باستقرار النشاط الاقتصادي. والتباين الحاد في الظروف الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة وتوقع مواصلة الدولار انخفاضه، يؤكد أن الوقت قد حان لإعادة النظر وبشكل عاجل في ربط الريال بالدولار. وإن أفضل الخيارات هو ربط سعر صرف الريال بسلة عملات رئيسية، ما يضمن حماية الريال من الانخفاض دون مبرر أمام العملات الأخرى مع استمرار تراجع الدولار، ويسهم في الحد من معدلات التضخم، ويزيد من جاذبية الاستثمار محليا. على ألا يربط ذلك بتطورات موضوع العملة الخليجية الموحدة، فمجموعة اقتصادية لم تستطع، رغم مرور ما يزيد على ربع قرن على قيامها، الاتفاق نهائيا على أبسط أشكال التكامل الاقتصادي وهو الاتحاد الجمركي، لن يكون في مقدورها، في المستقبل المنظور على أقل تقدير، الانتقال إلى أكثر مراحل التكامل الاقتصادي صعوبة وتعقيدا وهي مرحلة الاتحاد النقدي، ومرحليا، وإلى أن تتجاوز معوقات تكاملها الاقتصادي، يمكن لدول المجلس الاتفاق على سلة موحدة تربط بها جميع عملاتها، ما يضمن بقاء أسعار صرفها بينيا ثابتة دون تغير.