عزوف مؤكد عن سوق الأسهم السعودية
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
صدم المتداولون بانهيار سوق الأسهم السعودية في شباط (فبراير) الماضي، وزاد من حدة الصدمة كون معظم المتداولين لا يملكون أي خبرة في التعامل في الأسواق المالية، وخبرتهم في سوق الأسهم السعودية نفسها متواضعة جدا ولم يمض على أول تعامل لهم فيها إلا بضعة أشهر. خلال هذه الأشهر القليلة، عرفوه سوقا ترتفع ولا تنخفض، ووجدوها سوقا لا تحتاج فيها إلى معرفة القيمة الحقيقية والعادلة للسلع المعروضة، فأي سهم تشتريه سترتفع قيمته ولا داعي للقلق على مناسبة السعر، ورسالة جوال من مجهول توصي بشراء سهم معين أكثر من كافية لتبادر إلى ذلك، وجربت ذلك من قبل عدة مرات وخرجت بربح وفير، ومن الخطأ ألا تحاول تعظيم مكاسبك في هذه السوق، من خلال الحصول على قرض بنكي أو ببيع ما تملكه من أصول واستثمارها فيها.
انهيار السوق وضع الجميع في مواجهة مع واقع آخر مختلف تماما، فاختفى معظم المتداولين فجأة، وخلت صالات التداول إلا من القليل منهم، وهي التي كانت تكتظ بهم خلال ساعات التداول اليومية وتعجز البنوك عن مواكبة النمو في أعدادهم والحاجة المستمرة لمساحات أكبر للتداول. تدريجيا ومع تحسن السوق عادت الحياة من جديد لتدب في تلك الصالات، وإن لم يكن بالحدة نفسها، فالارتفاعات التي شهدتها السوق أغرت المتداولين بالعودة لمحاولة تعويض خسائرهم، منهم من عاد وفي نيته الاستمرار، ومنهم من عاد بهدف استعادة حتى لو جزء من خسائره والنفاذ بجلده مصدوما بتجربة مريرة. التراجع الأخير بدد كل تلك الأحلام ووجد صغار المتداولين أن السوق اصطادتهم من جديد على حين غرة، وأنهم بدلا من استعادة خسائرهم زادوا من حدتها وفاقموها. والكثير منهم تتملكه الحيرة والاستغراب، فهو لا يملك تفسيرا لما يحدث، وكل ما يعرفه أنه وقع في فخ السوق مرتين خلال أقل من أربعة أشهر، ومدخراته تتبخر أمام عينه دون أن يستطيع فك رموز ما يجري.
بعض المتعاملين يطلق على سوق الأسهم السعودية "سوق الحسايف"، ويقصدون به أن المتداول كثيرا ما يتحسر ويأسف على قراراته، فإن اشترى تمنى لو لم يقم بذلك، وإن باع وجد أن الصواب في عدم البيع. من تعامل في السوق مباشرة ودخل في عمليات مضاربة وجد أنه بين موجات المد والجزر العنيفة التي تتعرض لها أسعار أسهم المضاربة تتضاعف خسائره، ومن اقتنع بأن الوسيلة المثلى للاستثمار في هذه السوق هو في أن يعطي الخبز لخبازه ويستثمر في صناديق البنوك، باعتبارها تملك الخبرة والمعرفة التي تمكنها من تحقيق عائد أفضل والاستثمار فيها أقل مخاطر، خاب ظنه ووجدها لا تقل سوءا في الأداء عن أي مغامر في السوق، ورسومها وأتعابها الإدارية تنخر ما بقي من مدخراته والخباز أخذ أكثر من حصته.
تكرر انهيار السوق خلال مدة وجيزة وبنسب عالية وغموضه الشديد لا محالة سيفقد السوق جاذبيتها كقناة مناسبة للاستثمار، وسيترتب عليه دون أدنى شك عزوف معظم صغار المتداولين عن السوق وانصرافهم عنها دون رجعة، ولن يكون من السهل اجتذابهم إليها من جديد، ولن يكونوا على استعداد للبقاء في سوق غامضة لا تفسر حركتها، قراراتهم فيها دوما خاطئة مكلفة، وسيصلون بكل تأكيد إلى قناعة راسخة بأن الأسلم لهم التنازل عن مكاسب السوق تفاديا لأخطارها غير المتوقعة. ولن يبقى صغار المتداولين إلى الأبد فريسة يقتات عليها هوامير السوق، وهشيما يذكي نار احتيالهم وتلاعبهم ومضارباتهم الوهمية على أسهم الشركات الخاسرة، وقد يكون المتلاعبون في السوق قد بالغوا كثيرا في تقدير قدرتهم على خداع صغار المتداولين، ومن دون السمك الصغير لن تجد الهوامير بدا من أكل بعضها بعضا.
إن جرأة وجشع مجموعات المتلاعبين في السوق، وعدم ردعهم عن سلوكياتهم الشائنة وغير المشروعة، وما نتج عنها من تذبذبات حادة غير مبررة في السوق، قد تكون دقت المسمار الأخير في نعش سوق الأسهم السعودية بابتعاد معظم صغار المتداولين وعزوفهم عنها، وسيمضي وقت طويل جدا قبل أن تكون السوق قادرة على اجتذابهم من جديد، ما يضاعف من تأثير العزوف الواضح حاليا من قبل المستثمرين عن السوق، والذي يبدو جليا من خلال الاستجابة المتواضعة بل وحتى العكسية للنتائج الإيجابية للشركات على أداء السوق.