قصة ولادة امرأة

قصة ولادة امرأة

<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>

كنت طفلاً صغيراً عندما روت لي والدتي هذه القصة وكنت أشعر بالقشعريرة تتخلل عظامي مثل أفلام الرعب HOROR وأنا أصغي لكلماتها وأتأمل تعبيرات وجهها المشحون بالتعبيرات. ومازالت القصة مغروسة في الذاكرة حتى اليوم، وأعترف أن والدتي كانت بارعة في رواية التفاصيل. تعود القصة إلى عائلة ناصر حدة المسيحية. كانت الأم صغيرة السن جميلة الصورة وحامل حتى كان يوم الوضع الذي هو يوم الفصل. فصل الجنين عن أمه. وفصل المشيمة عن الرحم. وفصل الحياة عن الموت عند الوالدة. إن أطباء النسائية يكررون على مسامع الناس وطلاب الطب أن ولادة المرأة يجب اعتبارها عملية جراحية ويجب الاستعداد لها، ويجب ألا تلد أي امرأة في أي بيت في العالم بل في مشفى وتحت إشراف طبيب وفي جو استعداد للعمل الجراحي. والسبب أن عملية الوضع محفوفة بالمخاطر فقد يلد الطفل وقد يتعضل. قد ينزل برأسه وقد يخطر في باله فينزل بمقعده فلا يخرج إلا بألعاب بهلوانية. قد يعيش وقد يموت. قد تكون المشيمة في موضعها وقد تكون غيرت موقعها فاستقرت في مكان غير متوقع فجلست على عنق الرحم بدلاً من القاع على رحابة سقف الرحم. وهو ما يعرف بارتكاز المشيمة المعيب PLACENTA PREVIA فلا تدع الوليد يخرج ولا تنخلع بشكل عادي وتتعرض الأم لنزف قاتل، وكانت وفيات الأمهات مع الحمل أو بعدها بحمى النفاس أمراً عادياً في الأيام الخوالي. ويروى لنا التاريخ موت ممتاز محل زوجة الملك الهندي شاجاهان في الولادة فطاش لبه وأمر ببناء القصر المعروف تاج محل رمزاً ووفاءً للحب وجلس في قصره يحدق في قصر الحبيبة حتى مات كمدا وقهرا. وفي القصة التي روتها لي والدتي عن تلك الحامل الشابة قالت لقد تعرضت الأم لنزف مروع بعد الوضع وكان هذا قبل نصف قرن. وكنت في بلدة صغيرة قلت فيها الإمكانيات الطبية، والطبيب الذي حضر لمعالجة المريضة لم يكن إخصائياً في الأمراض النسائية. قالت والدتي لقد حاول أن يحشو المجرى التناسلي بالقطن كي يوقف النزف بدون نتيجة. وعلى رواية والدتي فقد أمر زوجها بإحضار ما استطاع من الطماطم من السوق، وكان الوقت ليلاً فهرع طائش الصواب إلى سوق الخضار والمرأة تموت. ولم أفهم هذه النقطة بالذات وخطر في بالي يومها أنها سوائل حمراء من عصير البندورة قد تنفع مثل الدم في تعويض ما خسرته الحامل النازفة من الدم. قالت والدتي لقد هرع الزوج الملتاع كالمجنون في نصف الليل يبحث عن الطماطم. وما زلت أتذكر والدتي وحزنها عليها وهي تتحدث عن سفرة ماريامانة نسبة لمريم عليها السلام وكانت عادة في مناطقنا يتحفون بها من تضع بسفرة عامرة من شهي الطعام. ولكن النتيجة كانت أن الأم الشابة ماتت في تلك الليلة فلم تر خيوط أشعة الصباح وسلمت الأمانة مع السحر موتاً بالنزف.
أذكر هذه القصة لأن طبيبا روى لي حادثة مماثلة حيث دخل قاعة عمليات كأنها حوض سباحة من دم المريضة. كانت المريضة تسبح في بركة من دمها. ولكن التعاون الطبي وتوافر الاختصاصات وخدمات بنك الدم وليس عصير الطماطم جنب المريضة سوء الختام، خاصة إن كانت أماً لدرزن من الأطفال؟
كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا.

الأكثر قراءة