علاقة الذاكرة بالذكاء

علاقة الذاكرة بالذكاء

[email protected]

تنمو الذاكرة مع نمو الإنسان؛ فهي تبقى لمدة لحظات، عندما يكون الطفل ما بين الشهر الثالث والسنة الأولى من العمر، وعندما يصل الطفل إلى نهاية السنة الأولى تبدأ الذاكرة في الاستقرار، وتستمر لمدة أسبوعين، وفي نهاية السنة الثانية تمتد لمدة بضعة أشهر، وفي نهاية السنة الرابعة تمتد ما امتدت الحياة.
ويبدو أن جدي عبد العزيز رحمه الله مات قبل أن أبلغ الرابعة فلا أذكره إلا لمحة فقط في لباسه العثماني القديم، أما وجهه فليس من صورة، ولم تكن الكاميرات والتصوير شائعة في ذلك الوقت.
والذاكرة عنيدة على الزوال فهي لا تنتهي إلا بالموت، وتكون تجربة الموت هي آخر التجارب التي يمر بها الإنسان، فتجيء سكرة الموت بالحق.
ونقف قليلاً لنطرح السؤال التالي وهو: ما هي علاقة الذاكرة بالذكاء؟ وهل يتفاوت الناس في ذاكرتهم؟
والجواب أن الذاكرة هي القدرة على استيعاب المعلومات واسترجاعها، وأما الذكاء فهو القدرة الذهنية على الفهم والتحليل والربط والاستنباط والتخيل والإبداع، والحق يقال إن الذكاء شيء محير، كما نطلق على فلان أنه قوي الشخصية وآخر ضعيف الشخصية؟
إن حكمنا هذا سريع ولكن تحليله يحتاج لمجلدات !!!
وأما تفاوت الناس في ذاكرتهم؛ فهذا وارد، ولكن أصدق ما يقال في هذا الباب، إن جميع الناس على الإطلاق يمتلكون مقدرة متقاربة من الذكاء والذاكرة، وقلة نادرة جداً من الناس، هي التي تكون مزودة بملكات عقلية راقية.
بل وحتى النقطة الأخيرة مشكوك فيها، إلى حد ما، لأن الرقي الذهني إنما يأتي من الجهد المبذول، واستعمال هذا الجهاز الجبار الذي لا يعرف الكلل أو الملل، أعني الدماغ الذي لا يعرف التعب حتى ولو عمل ما يزيد على عشر ساعات متواصلة، وإنما الذي يتعب هو البدن بالقعود بكيفية معينة!!
ولذا فإن العباقرة والفلاسفة وعظماء المفكرين إنما تكونت مواهبهم من استغلال هذه القدرات الدفينة، وهذه الطاقات الكامنة.
ومما نعرف أن كل خلية عصبية تتصل بما يقرب من خمسين خلية عصبية أخرى، وأحياناً يصل هذا الأمر إلى ألف (1000) خلية عصبية، بل ويقفز في خلايا بوركينج في المخيخ إلى مائتي ألف، ومن هنا ندرك قيمة الممرات العصبية، حيث تتشكل شبكة كثيفة مخيفة من الاتصالات، وقد نصاب بالدوار عندما نتصور عدد المرات، التي يمكن أن تتشكل بعد هذه الاتصالات الكثيرة.
إن تعلم الكلمات والأفكار والمهارات يعني تشكل ممرات جديدة، وسرعة إعادة ما تعلم إنما تعني؛ أن الطريق معبد لمرور النبضات الكهربية، عبر هذه الممرات والدهاليز المخيفة، والتعرجات العجيبة، وهذا يسمح بتقرير حقيقة أساسية، أن في مقدور الإنسان أن يصل إلى درجة هائلة من الرقي، ولكن يتم ببذل الجهد لإيجاد ممرات عصبية جديدة، ومن مزيج الذكريات تتولد تفاعلات معقدة جداً، وأفكار باهرة.
إن ما مر معنا عن أبحاث الذاكرة ليس إلا معلومة سطحية لم توصلنا إلى الأعماق القصية، وينطبق هذا الشيء على فهم كيف يعمل العقل؟ وكيف يتم التفكير؟ وما الإرادة؟ وأين يكمن الوعي واللاوعي؟ أو ما يسمى بالشعور واللاشعور؟ وكيف يحصل فهم المسموعات والمبصرات؟ وقلبها من صورة إلى معان؟ وكيف تستنبط الأفكار المجردة من خلال المحسوسات؟ وما الذكاء؟ وكيف يتم التخيل والابتكار؟ وكيف يحصل الإحساس الجمالي؟ وكيف يتم الإحساس الخلقي؟ وكيف تنمو الجرأة الأدبية؟ وكيف تتم الأحلام؟ وكيف تتحقق منها التنبؤية للمستقبل؟ وما علاقة الأعضاء بالنفس؟ وكيف يؤثر كل واحد في الآخر؟ إلى فيض لا ينتهي من الأسئلة التي لا تجد جواباً.

الأكثر قراءة