الحوكمة (1)

<a href="mailto:[email protected]">naila@sma.org.sa</a>

الحوكمة في معناها البسيط هي المساءلة، ومفهوم "الحوكمة Governance" انتقل من السياسة وإدارة الدولة إلى القطاع الخاص، حيث عرفته الأوساط العلمية، أنه مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المنظمة عن طريق معالجة المشكلات الناتجة عن الممارسات الخاطئة من قبل الإدارة ومجالس الإدارة.
وبمعنى آخر فإن الحوكمة تعني النظام، أي وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المنظمة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية وتحميل عواقب القيام بالأفعال غير صحيحة والمطالبة بتصحيحها.
لماذا الحوكمة؟
نشأت عدة عوامل ارتبطت بالمناخ الاقتصادي العالمي والمحلي أسهمت في خروج مفهوم حوكمة المنظمات إلى العلن، منها:
1- انفجار الأزمات المالية العالمية والتي يمكن وصفها بأنها كانت أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم نشاط الأعمال والعلاقات فيما بين منشآت الأعمال والحكومة. وقد كانت المشاكل العديدة التي برزت إلى المقدمة في أثناء الأزمة تتضمن عمليات ومعاملات الموظفين الداخليين والأقارب والأصدقاء بين منشآت الأعمال والحكومة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل في الوقت نفسه الذي حرصت فيه على عدم معرفة المساهمين بهذه الأمور وإخفاء هذه الديون من خلال طرق ونظم محاسبية "مبتكرة".
2- مع تصاعد قضايا الفساد الشهيرة في كبرى الشركات الأمريكية مثل "أنرون" وغيرها، بدأ الحديث عن حوكمة الشركات؛ حيث إن القوائم المالية لهذه الشركات كانت لا تعبر عن الواقع الفعلي لها، وذلك بالتواطؤ مع كبرى الشركات العالمية الخاصة بالمراجعة والمحاسبة؛ وهو ما جعل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تصدر مجموعة معايير مذكورة لاحقاً.
3- زاد من حدة الدعوة إلى حوكمة الشركات، ممارسات الشركات متعددة الجنسية في اقتصاديات العولمة، حيث تقوم بالاستحواذ والاندماج بين الشركات من أجل السيطرة على الأسواق العالمية. فرغم وجود الآلاف من الشركات متعددة الجنسية فإن هناك 100 شركة فقط هي التي تسيطر على مقدرات التجارة الخارجية على مستوى العالم، من خلال ممارستها الاحتكارية.
4- اكتسب المفهوم أهمية كبرى بالنسبة للديمقراطيات الناشئة في دول العالم الثالث؛ نظرا لضعف النظام القانوني الذي لا يمكن معه إجراء تنفيذ العقود وحل المنازعات بطريقة فعالة. كما أن ضعف نوعية المعلومات تؤدي إلى منع الإشراف والرقابة وتعمل على انتشار الفساد وانعدام الثقة. مثل الأسواق المالية الجديدة في دول الخليج.
والخبراء الاقتصاديون يرون أن الحوكمة هي مجرد إرشادات تطرح بشكل اختياري على الشركات الراغبة في تطبيقها، وليس لها صفة الإلزام، ولكن التطبيق يؤدي إلى إظهار الشركة بشكل أكثر شفافية، ويزيد من مصداقيتها في أسواق المال.
وتنقسم محددات الحوكمة إلى مجموعتين هما:-
المحددات الخارجية: وتشير إلى المناخ العام للاستثمار في الدولة والذي يشمل على سبيل المثال القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي (مثل قوانين سوق المال والشركات وتنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والإفلاس)، وكفاءة القطاع المالي (البنوك وسوق المال) في توفير التمويل اللازم للمشروعات ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية (هيئة سوق المال والبورصات) في أحكام الرقابة على الشركات، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة (ومنها على سبيل المثال الجمعيات المهنية التي تضع ميثاق شرف للعاملين في السوق مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها) إضافة إلى المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والاستشارات المالية والاستثمارية وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة والتي تقلل من التعارض بين العائد الاجتماعي والعائد الخاص.
المحددات الداخلية: وتشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والتي يؤدي توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة.
ووضعت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" معايير لتساعد الشركات في تحقيق شروط الحوكمة ومن أهمها:
* توفير الحماية للمساهمين في هذه الشركات، وأن يسهل لهم ممارسة حقوقهم.
* معاملة متساوية للمساهمين كافة، سواء كانوا وطنيين أو أجانب، كما ينبغي إتاحة الفرصة للمساهمين كافة للحصول على تعويض فعال عن انتهاك حقوقهم.
* الشفافية أي ضمان القيام بالإفصاح السليم في الوقت المناسب عن الموضوعات المهمة المتعلقة بالشركة كافة، بما في ذلك المركز المالي، والأداء، وحقوق الملكية.
* ضمان الرقابة الفعالة لمجلس الإدارة على إدارة الشركة، ومحاسبة مجلس الإدارة عن مسؤوليته أمام الشركة والمساهمين، عن طريق التوجيه والإرشاد الاستراتيجي للشركة.
* دور أصحاب المصلحة أو الأطراف المرتبطة بالشركة، وتشمل احترام حقوقهم القانونية والتعويض عن أي انتهاك لتلك الحقوق وكذلك آليات مشاركتهم الفعالة في الرقابة على الشركة ويقصد بأصحاب المصالح البنوك والعاملين وحملة المستندات والموردين والعملاء.
يضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل: أخلاقيات الأعمال، ومدى إدراك الشركات بالمصالح البيئية والاجتماعية للمجتمعات التي تعمل فيها الشركة، والتي يمكن أن يكون لها أثر في سمعتها.
والمقال في الأسبوع القادم سيوضح أهداف الحوكمة، ولماذا يجب تطبيقها في جميع القطاعات الخاصة والحكومية أيضاً خاصة في المجتمع السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي