في سوق الأسهم السعودية .. ما أشبه الليلة بالبارحة!

[email protected]

بلغ حجم التداول على شركة الباحة الأربعاء الماضي، وهي واحدة من أكثر الشركات استحقاقا لاسم "شركة خشاش" في سوق الأسهم السعودية، نحو 32 مليون سهم، أو ما يزيد على ضعف إجمالي عدد أسهمها المصدرة البالغة 15 مليون سهم فقط، وبقيمة تداول تجاوزت ملياري ريال من إجمالي تداول السوق البالغ نحو 14 مليار ريال. وبشكل عام كان معظم الشركات التي تم تداولها بكثافة ذلك اليوم هي شركات مضاربة، فشركة سابك على سبيل المثال لم تأت إلا في المرتبة 42 من حيث حجم التداول، وأكثر البنوك تداولا "الراجحي" وكان في المرتبة 54، وشركة الاتصالات كان ترتيبها 59، و"أسمنت تبوك" كانت الأكثر تداولا في قطاع الأسمنت, ومع ذلك كانت في المرتبة 63 من حيث حجم التداول.
أي أن مجرد ظهور أول مؤشر على ميل السوق إلى الاستقرار بعد هبوطها الأخير عادت عمليات التحايل والتداولات الوهمية والتدوير إلى السوق على أشدها, بل بقوة قد تكون أكبر وأشد عنفا، فلا أذكر من قبل أن شركة تعرضت لعمليات تدوير ترتب عليها تداول ما يزيد على ضعف عدد أسهمها المصدرة في يوم واحد. ما يعني أننا نشهد مؤشرات على تكرار سيناريو الأشهر الثلاثة التي سبقت الانهيار الأخير التي مال فيها مؤشر السوق إلى الاستقرار النسبي بينما تعرضت أسهم المضاربة لارتفاعات هائلة جعلت معظم تداولات السوق تتركز في هذه الأسهم إلى أن انهارت لاحقا معرضة معظم المتداولين لخسائر فادحة.
وتكرر هذه الأوضاع غير المقبولة والمأساوية التي تفقد الثقة بالسوق وتتسبب في تعميق معاناة المتداولين, يؤكد من جديد عدم قدرة هيئة السوق المالية على إدارة السوق بأي مستوى مقبول من الكفاءة, وأن غياب دورها الرقابي وعدم تصديها لعمليات التلاعب يعرض المتداولين لأخطار جسيمة ويتعارض مع الدور المفترض للهيئة, وهو حماية المتعاملين في السوق وضمان عدالة عمليات تداولها. وفي الوقت الذي تعقد فيه الهيئة ورش توعية للمستثمرين, يحضرها في الغالب من ليسوا في حاجة إلى توعية, نجدها تترك الباب مشرعا للمتلاعبين في السوق للتداول عبر تحالفات غير مشروعة ترفع أسهم شركات المضاربة لقيم مبالغ فيها، ما يقضي على أي إمكانية لتعافي السوق واستقرارها، وهي بمثابة دعوة للمتداولين إلى الابتعاد عن الأسهم الاستثمارية والتوجه إلى أسهم المضاربة, ما يؤكد أن الهيئة متخصصة تماما في إضاعة الفرصة تلو الأخرى لضبط السوق في كل مرة تتراجع فيها السوق بحدة، فهذا التراجع يمثل في الواقع فرصة سانحة للوقوف بحزم في وجه المتلاعبين والحد من المخالفات، إلا أن الهيئة في كل مرة تكرر الخطأ نفسه وتعتبر التجاوز عن هذه المخالفات وسيلة لرفع السوق والحد من تراجعها، رغم أن كل ما تقوم به فعلا هو دق مسمار إضافي في نعش الثقة بالسوق.
ما يؤكد أن عدالة التداولات وشفافيتها أهم بكثير من شفافية المعلومات المالية للشركات المتداولة في السوق، ففي ظل عدم عدالة التداولات وسيطرة عمليات التحايل على التداول يصبح المتداولون غير مهتمين على الإطلاق بمصداقية البيانات المالية للشركات المدرجة. فالمهم فقط هو: كم يبلغ عدد أسهم الشركة المتداولة؟ فهو ما سيحدد مدى قدرة المتلاعبين على السيطرة على حركة أسهمها, وبالتالي إمكانية رفعها بقوة. أما حقيقة الأداء المالي للشركة فهامشي لا يلتفت إليه أحد في سوق تسيطر عليها التحالفات والتلاعب، ولن يستطيع أحد أن يقنع المتداولين بأن الوعي الاستثماري يعني عدم شرائك السهم الذي سيرتفع بحدة وشراءك بدلا منه سهما لن يراوح مكانه كثيرا، خاصة أن معظم من بقي في السوق هم مضاربون بعد أن تحولت إلى سوق غير مفهومة طاردة للمستثمرين.
كما أن أي حديث عن تقسيم السوق ليس ذا جدوى ولن يغير من واقعها شيئا، فأي متداول مهما بلغت قلة وعيه الاستثماري يعرف تماما ما هي شركات الخشاش في هذه السوق، ويدرك أن ذلك يعني أنها شركات فاشلة, أداؤها المالي لا يبرر المستوى الذي وصلت إليه أسعارها، وليس في حاجة إلى إيضاح ذلك له من خلال وضعها في سوق مستقلة، وأي من ذلك لن يجدي نفعا في الحد من التلاعب في السوق. وعلى الهيئة أن تدرك أن السبيل الوحيد للقضاء على هذه الفوضى العارمة في السوق هو من خلال تطبيقها نظام السوق المالية الذي أصدرته، وما لم تقم هي بذلك فإنها غير مؤهلة لمطالبة الآخرين بذلك، ويصبح كل ما أصدرته من لوائح وتشريعات حبرا على ورق لن يهم المتداولين كثيرا بتطبيقها، فأبسط حقوقهم, وهو عدالة التداولات وشفافيتها, منتهك وغائب تماما عن هذه السوق العجيبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي