مثالية غازي القصيبي وتفاعله مع الإعلام

[email protected]

منذ سنوات المراهقة المبكرة، فإنني عندما أنتقد، أتساءل، أو أمتدح أي عمل أدبي أو إداري له علاقة بالدكتور غازي القصيبي، ينتابني شعور بأنه قريب مني يسمعني، يناقشني، يوضح لي ما التبس عليّ فهمه من النصوص الأدبية ويجيب عن تساؤلاتي التي يدرك مقاصدي من ورائها، وها هو بتواضعه المعهود ومتابعته المستمرة، يسعدني بخطاب مذيل بخط يده توقيعه وكلمة "أخوكم"، فكم كنت فخوراً وسعيداً بتلك المجاملة اللطيفة من معاليه.
إن حكايتي مع غازي القصيبي ليست وليدة اليوم، فقد بدأت منذ زمن بعيد، وكان سبباً مباشراً في اتخاذي الكثير من القرارات الأكاديمية والعملية في حياتي، لأنه كان يعني لي المعلم والقدوة.

ويكمن سر سعادتي أيضا، في تفهم معاليه للنقد وثقته بأننا لا نهدف من وراء كتابتنا ونقدنا في الصحف ووسائل الإعلام إلى الإساءة لشخصه الكريم أو وزارته ومنسوبيها، بل لتوضيح ما نعتقد أنه خافٍ على معاليه وإيصال صوت ضعفاء تُسلب حقوقهم ويُساء لهم من قبل فئة تستغل ضعف العامل وجهله لتتلاعب بتطبيق حقوقها النظامية واستغلالها وتجاهل الجانب الآخر من الواجبات وما يقع عليها من مسؤولية في نصوص النظام.
لقد كنت أطمع بتفاعل مكتب العمل ليتم تدارك مثل هذه الأمور ووضع حد لها، هذا على أعلى تقدير، لكنني فوجئت بمتابعة وتفاعل وزير العمل شخصيا مع هذا الموضوع.
لقد أسعدني تجاوب ومتابعة معاليه شخصيا لما كتبت من نقدٍ وتوضيحٍ في مقال سابق حول كف أذى أرباب العمل عن مكفوليهم، ولم أكن أعلم أن وزير العمل يفكر جديا في استحداث إدارةٍ تُعنى بهذا الأمر وتختص بحماية العامل.
لقد قارنت استجابة ومتابعة وزير العمل الشخصية مع تجاهل وتفاعل بعض المسؤولين وعتبهم على ما يتم طرحه من نقدٍ لأداء مؤسساتهم في وسائل الإعلام، وتحويل النص التفاعلي إلى بحثٍ عن مساوئ الكاتب وتجريحٍ له بدلا من مناقشة الموضوع الأساسي والرد عليه وتوضيح اللبس الذي يكتنفه.
لقد كنت، ومازلت، من المعجبين بكتابات غازي القصيبي الأدبية وأحرص على اقتناء وقراءة ما يكتبه في الشعر والرواية، لدرجة أنني، في مرحلة ما من حياتي، اتخذت كتابه "حياة في الإدارة" منهجا أطبق الكثير من النظريات والنصائح التي يحتويها.
سطع نجم غازي القصيبي في عقول جيلنا منذ بداياته في تولي الحقائب الوزارية ونجاحاته المتنوعة والمتعددة فيما يوكل إليه من الأعمال، وقد كنا فيما مضى من الوقت نرسم له صورا متعددة ومتنوعة في مخيلتنا، ونبالغ أحيانا في قدراته وإنجازاته ونحلم بوجوده بيننا لتذليل العقبات التي كانت تواجهنا، لثقتنا بتميزه وإبداعاته الإدارية أينما ووقتما حل.
كان غازي القصيبي يمثل "الأسطورة" في أذهان جيلنا، خاصة بالنسبة لمن يسكنون المناطق النائية والبعيدة، وكانت مجالسهم تتداول أحاديث الزيارات الميدانية التي يقوم بها والملاحظات التي يدونها في جولاته، حتى أننا كنا نتوقع رؤيته في مدينتنا الصغيرة في أي لحظة، وكان يشاع، في ذلك الوقت بين الفينة والأخرى، وجوده في جولة ميدانية للتفقد والمتابعة.
لقد أدركت وتيقنت، في وقتنا الراهن، أن الأمر أكبر، أصعب، وأعقد مما كنا نعتقد ونظن بكثير، وأن إمكانات وقدرات غازي القصيبي، مهما كانت خارقة وفوق العادة، ستبقى محدودة وسيذهب كل هذا الجهد والعناء أدراج الرياح، ولن تعطي ما هو مأمول منها، رغم تميزه وتفوقه وتاريخ نجاحاته الإدارية، إن لم نقتنع بأننا شركاء معه في تحمل المسؤولية ونبادر بالمساهمة في تطبيق خططه وتوجهاته الصادقة في مجال التنمية والتطوير على أرض الواقع بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات مادية ومعنوية.
ختاما، سيبقى غازي القصيبي، بالنسبة لي على الأقل، نموذجا للإداري الناجح الذي نفخر به، معلما وقدوة نتعلم منها حب الوطن والعمل بإخلاص من أجله، أديباً نقتبس من رواياته وأشعاره دروسا في الروعة والجمال، مثالاً لرب الأسرة، الأب، والجد، وكذلك إنسانا نتعلم منه كيفية اكتشاف الطاقات التي تختزنها عقولنا وأجسادنا والإحساس بها وتوظيفها للمشاركة في تنمية بلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي