يفترض في القضاء الحياد والاستقلالية

كنت أتابع ما يكتب في الصحافة المحلية عن القضية المرفوعة أمام ديوان المظالم من قبل أحد المحامين بالوكالة عن عدد من الحاصلين على الدبلوم التربوي في اللغة الإنجليزية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد شدني ــــ بحكم اختصاصي ـــ ما يثار من دفوع وما يقال عن هذه الدعوى من أقاويل متناقضة عند رفعها على ثلاث جهات وهي (الجامعة ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم)، والتي نظرت من إحدى الدوائر الإدارية إذ صدر فيها حكمان من هذه الدائرة وكلها نقضت من قبل هيئة التدقيق الأولى التي تصدت لنظر الدعوى وحكمت فيها بحكمها الصادر في 4/11/1427هـ، والتي ذكر في الصحافة أنه حكم بإعادة الرسوم الدراسية، وذكر ـ أيضا ـ أن محامي المدعين قد طلب رد رئيس هيئة التدقيق الأولى لكونه على علاقة بالجامعة بصفته متعاوناً بإلقاء محاضرات فيها، وهذا وغيره من الإثارة والبلبلة التي تحصل في بعض القضايا التي ما كان من اللازم الكتابة عنها في الصحافة لما يحصل من صخب وإثارة وبلبلة قد يكون لها تأثير وتأثر على مجريات الدعوى ونظرها، وقد سبق لي أن كتبت مقالا سابقا أكدت فيه ـــ بحكم اختصاصي ـــ أنه من غير المناسب بل قد يقال بشكل أشد أنه من غير الجائز الكتابة عن القضايا التي تنظر أمام المحاكم أو ديوان المظالم واللجان القضائية أثناء نظر الدعوى حتى لا يكون لهذه الكتابات أثر أو تأثير في مجريات الدعوى أو على ناظري الدعوى لأنهم من البشر قد يتأثرون أو يؤثر فيهم ما يكتب مما قد يكون له انعكاس على تحقيق العدل والإنصاف في نظر الدعوى والحكم فيها، والذي هو الأساس الذي يجب أن يحافظ عليه حتى تتحقق الاستقلالية والحياد من ناظر القضية في الفصل بالدعوى دون أية مؤثرات أو تأثيرات، وهذا يعد من القواعد الأساسية في القضاء باعتبار أن القاضي يفترض فيه التمتع بالحياد والاستقلالية لفض أي نزاع، وهذه من المبادئ العديدة لحماية حقوق الخصوم.
وإزاء كل ما قرأته من متناقضات وكتابات ربما لا تكون دقيقة فإني ـ بحكم الاختصاص ـ قلت لابد أن هناك عدم دقة فيما يكتب عنه ولأنه يكتب عن طرف واحد فلابد من سماع الطرف الآخر حتى تظهر الحقيقة واضحة لا غموض فيها ولا تضليل ولا إبهام أو إيهام، فكنت حقيقة أتوق إلى معرفة مدى صحة ما طرح، والذي صور للقارئ بأن هناك عدداً من الدارسين كانوا مظلومين، وقد وعدهم المحامي المتوكل عنهم أنه سيكسب الدعوى لصالحهم في إلزام الجامعة بتنفيذ ما جاء في إعلانها، وإلغاء القرار الإداري من المدعى عليها وزارة التربية والتعليم برفض التعيين، وإلغاء القرار الإداري من المدعى عليها وزارة الخدمة المدنية بعدم اعتماد تصنيف المدعين على المرتبة الملائمة، و التعويض عن كل ضرر أصابهم حسبما ذكر في طلبات المحامي المقدمة في مذكرته للجهة القضائية.
والمستقر عليه والمعروف أن المحامي هو مساعد للقاضي في إظهار الحق ودفع الظلم وبالتالي يجب عليه الحرص الشديد على تحديد الادعاء وطرح هذه الوعود المتعددة والطلبات التي تقدم بها بعد الدراسة الواعية المتزنة فإذا ما تحقق واحد منها فإنه يكفي لرفع الظلم المدعى أنه أصاب الدارسين لكن يظهر لي أن المحامي الفاضل لم يكيف الدعوى بشكل دقيق قبل رفعها على الجهات الثلاث من خلال الوقائع التي ظهرت من المستندات المؤيدة لكل ما يبديه أطراف النزاع إذ ليس كل ما يبديه أي منهم مقبول ويعتمد عليه ما لم يكن معززا بدليل يؤيد صحته، وبهذه المناسبة فإنني أنصح بعض المحامين المبتدئين الذين ليس لهم خبرة كافية بعدم الاعتماد كلية على بعض المستقدمين للعمل معهم من جنسيات مختلفة، إذ ربما لا يكونون عارفين بالإجراءات القضائية لدينا، أو يتبعون بعض الأساليب المعيبة التي ينتهجها بعض من ينتسبون إلى مهنة المحاماة وليسوا أهلا لمزاولتها، وأقول ما ذكرت عن خبرة وتجربة حقيقية، إذ في أول سنة فتحت فيها مكتبي استقدمت واحدا من إحدى الدول العربية للعمل معي، وبكل أسف لاحظت أنه عند إعداد أول مذكرة أنه ينتهج ألأساليب المعيبة ما جعلني لا أعتمد عليه ألغي التعاقد معه، ولم أفكر في الاستعانة بأحد بل أعمل شخصيا لأنه من الضروري الصدق والأمانة في إعداد لوائح الادعاء بدقة بعيداً عن أسلوب الطرح غير الموضوعي الذي قد يوصف باللجج بالخصومة، أقول ذلك بعدما اتضح لي من حقائق تخالف ما سبق الكتابة عنه بالصحافة التي لفتت نظري وجعلتني أسأل عن مدى صحة ما ذكر، وكنت أتمنى نشر الأحكام حتى يكون القارئ بشكل عام والمتخصص بشكل خاص على علم ودراية بمدى صحة ما كتب عنه من أن حكم هيئة التدقيق الذي صدر غير صائب وما ذكر من طلب رد رئيس الهيئة كما أسلفت، وكأن هناك إخلالا بمبدأ الحياد والاستقلال.
وبعد البحث والاستقصاء فقد وضح لي بعد الاطلاع على حكم هيئة التدقيق بأن أسبابه ومنطوقه صحيح فيما انتهت إليه الهيئة من حكم بالتعويض يقابل الضرر الذي لحق بالمدعين وهو يقابل ما دفع من رسوم لمجرد أن التأهيل بالدبلوم لم يكفل لهم التوظيف لعدم التصنيف والاعتراف بالدبلوم من قبل جهات التعيين وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم، وقد يقبل من جهات أخرى في القطاع الخاص، وقد لاحظت أنه صدر حكم الدائرة الإدارية الأولى برفض دعوى المدعين ضد وزارة الخدمة المدنية وعدم قبول الدعوى ضد وزارة التربية والتعليم لانتفاء الصفة، ولم يعترض محامي المدعين على ذلك. ولأن الحكم بالتعويض على جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مع إعادة الرسوم فكان الاعتراض من ممثل الجامعة ما جعل هيئة التدقيق لا تقتنع بالحكم، وتتصدى لنظر الدعوى في ضوء الاعتراض المقدم وفق نص المادة 36 من قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان، وقلت إن الحكم صحيح على أساس ما جاء في الأسباب (حيثيات الحكم) إذ ألقى الحكم بالمسؤولية على جامعة الإمام محمد بن سعود على أساس أنها أبرمت التعاقد مع أكاديمية الفيصل العالمية لتقوم بمقتضاه الأكاديمية وبكوادرها المتخصصة بتنفيذ برامج دراسية من ضمنها دبلوم اللغة الإنجليزية محل الدعوى، وقد ألزم التعاقد الجامعة باعتماد الدبلوم، وأنه لم يظهر للأكاديمية أي تصرف يذكر تجاه الدارسين ما جعل ارتباط علاقة الدارسين بالجامعة فقط، وأن العلاقة تعاقدية ثم إن الهيئة في ضوء ذلك نظرت في المطالبة بالتعويض وإعادة الرسوم ولم تر مناسبة الجمع بينهما على أساس إن إعادة الرسوم يستلزم فسخ العقد وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وهذا ما لا يمكن بل يستحيل لكون المتعاقد عليه وهو الدراسة قد تم فعلاً بعلم استقر في الآذان وكسب المهارات، كما ذكر في تسبيب الحكم إضافة إلى أسباب أخرى، ومنها قيام الهيئة بدورها في إجراء توازن بين الضرر والمنفعة التي حصل عليها الدارس فترجح لدى الهيئة جانب الضرر الذي جبرته بالتعويض بما يعادل الرسوم التي دفعها كل دارس وهو ما حكمت الهيئة به في حكمها الذي أثير حوله جدل مستغرب جعلني ـ بحكم اختصاصي ـ أبحث عن مدى صحة ما كتب بالبحث عن الحكم وقراءته والذي جعلني أطمئن إلى عدم صحة ما أثير مما رأيت معه كتابة هذا المقال ليكون القارئ على علم بحقيقة ما تضمنه حكم هيئة التدقيق، فالقضاء هو المرجع في حسم كل نزاع بالعدل والإنصاف على أساس من الحياد والاستقلالية وبالتالي لا ينبغي أن يكتب إلا عن حقائق ووقائع صحيحة بعيداً عن التشويش والبلبلة أو التشكيك في القضاء، هذا في ضوء ما ظهر لي والله الموفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي