الصيانة بين ترشيد الإنفاق وتفادي المفاجآت

[email protected]

جديرة بالتوقف عندها والتفكير مليا والاهتمام بمستقبلها تلك المشاريع الجبارة التي أقرتها وتقرها الدولة في ميزانياتها سنويا على مدى الخطط الخمسية المتتابعة وذلك لتوفير وتطوير المنشآت الخدمية التي تتعلق بالمواطن مثل التعليم، الصحة، النقل، وغيرها كي تقدم خدماتها بشكل يتناسب مع المتطلبات ويفي بالاحتياج الفعلي لتلك الخدمات دون تقصير أو تأخير.
الملاحظات والدراسات التي تهتم بهذا الجانب تشير إلى معدل إنفاق ضخم على هذه المشاريع من ناحية الإنشاء والتجهيز ويتم ذلك بمعايير وجودة عاليين، لكن واقع هذه المشاريع العملاقة بعد إدخالها الخدمة بفترة وجيزة، لا يعكس الصورة الحقيقية لعمرها الإنشائي والخدمي مقارنة بما تم إنفاقه عليها من ناحية الإنشاء، المواد، التصميم، الوقت، المال، والجهد وسبب ذلك هو محدودية الصيانة إن لم يكن انعدامها بشكل كامل.
مما لا جدال فيه أن هناك شبه انعدام لثقافة الصيانة الوقائية في تطبيقاتنا والإجراءات اليومية لتعاملاتنا مع الأجهزة، المعدات، والمنشآت التي نستخدمها، وهو أمر لابد من الاعتراف به والإسراع في البحث عن الحلول المناسبة لتقليل وترشيد الإنفاق بأسلوب علمي مدروس وتقني منظم يتناسب مع نوعية، حجم، وتعقيدات الهدف المراد صيانته.

يتضح انعدام ثقافة الصيانة الوقائية لدينا في ممارساتنا الاستهلاكية واعتماد الصيانة الاضطرارية في تطبيقاتنا اليومية، بدءا بالمستهلكات الشخصية وصولاً إلى أضخم المشاريع والمنشآت، مرورا بكل أحجام المنشآت والمصانع الحكومية والأهلية، اللهم إلا في بعض المؤسسات ذات الحجم الكبير ممن أدركت أهمية الصيانة الوقائية تفاديا للمفاجآت الأليمة التي سبق لها التعامل معها وكلفتها ميزانيات هائلة نتيجة إهمال الجانب الوقائي.
كنّا فيما مضى من الوقت نطالب بمعالجة بيانات الصيانة إلكترونيا وإدخال تقنيات تنظيم الصيانة في الأعمال اليومية لأقسام الصيانة في منشآتنا بشتى أحجامها وتنوعاتها، لكن الدراسات ومتابعة واقع منشآتنا في الوضع الراهن، تحتم علينا العودة إلى المطالبة بترسيخ مفاهيم وأسس الصيانة بشقيها، أهمية الصيانة وأثرها في إنتاجية المنشأة، التوعية بضرورة الصيانة الوقائية وأنها ليست ترفا وهدرا للمال والوقت، كما يعتقد محدودي الخبرة والتخصص في مجال الصيانة.
إن الزعم بمحدودية ثقافة الصيانة الوقائية، وشبه انعدامها لدى البعض ليس تجنيا، بل ومن المؤسف أن يتسم من توكل إليهم مهام الإشراف والقيام بالصيانة بمحدودية المعرفة بأبجديات أُسس وأنظمة الصيانة، لكنه أمر واقع بينته الدراسات والأبحاث التي تهتم بتردي الحالة التي تؤول إليها منشآتنا بعد فترة وجيزة من استخدامها، وقصر العمر الافتراضي لهذه المنشآت، المعدات، والتجهيزات.
لم يأت انعدام ومحدودية المعرفة بأهمية الصيانة من فراغ، بل نتيجة حتمية لواقع التعليم والتدريب في مؤسساتنا العلمية والمهنية حيث لا وجود لقسم الصيانة في كلياتنا ومعاهدنا، خلو أقسام الصيانة في المنشآت من دليل إجراءات وخطوات الصيانة، انعدام برامج الصيانة والدورات التدريبية لتطوير مهارات وقدرات العاملين على الصيانة، محدودية الثقافة الاستهلاكية السائدة بشكل عام لدى الفرد والمجتمع، وأمور اقتصادية واجتماعية نتيجة الجهل بالمفهوم الصحيح للصيانة وأهميتها.
إن التكاليف الباهظة التي تتكبدها المنشأة نتيجة قصر عمرها الافتراضي، التاريخ التشغيلي، كثرة الأعطال وتكرارها، التوقف عن الخدمة، تردي الحالة التي تؤول إليها، والمفاجآت الأليمة تجعل إدخال مفاهيم الصيانة والتوسع في التخطيط لميزانية سنوية يتناسب حجمها مع حجم تكاليف صيانة المنشآت المستهدفة فعليا من الناحية الوقائية، الاستعمال، الحالة، والعطل ضمن جدول مالي – زمني يتناسب مع الإمكانات والقدرات المتوافرة.
إن تأهيل القدرات البشرية العاملة في مجال الصيانة، ضمن برامج تخصصية محترفه تتناسب مع الاحتياج الفعلي من ناحية الكم والنوع وتضع الخطط المستقبلية لذلك، أمر في غاية الأهمية والضرورة يحتم علينا سرعة المبادرة لتوفير الأدوات والموارد البشرية المؤهلة لترشيد الإنفاق وتفادي المفاجآت الأليمة نتيجة تجاهلنا أهمية الصيانة وتطبيقاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي