القطاع الخاص واستثمار التقنية
كنت أتناقش مع بروفيسور ياباني معروف عالميا كان يشرف على أبحاثي عن إحدى تقنيات قياس جودة المواد وصعوبة امتلاكها وعن إمكانية عمل قياسات للمواد التي كنا نصنعها بهذه التقنية، عندما فاجأني بأن هذه التقنية موجودة في إحدى الشركات الأهلية بالمنطقة الشرقية وصنعت خصيصا لتتوافق مع معايير ومتطلبات هذه الشركة (ولا أريد ذكر اسم الشركة حتى لا يعتقد أنني أعمل دعاية لها). لم تكن تلك المفاجأة الوحيدة، بل أمطرني بسيل من المعلومات عن التقنيات والخبراء والمستشارين الذين عملوا ويعملون لدى القطاع الخاص في المملكة ومن جملة حديثه أنه من الأولى بي أن أتعلم في هذه الشركات بدلا من المشقة والعناء والاغتراب لما يملكونه من إمكانات تقنية.
لم أكن أعلم أن لدى القطاع الخاص لدينا هذه الإمكانات، وأظن أن الكثيرين غيري لا يزالون يجهلون هذه الحقيقة.
لكن بعد الاطلاع على بعض المعلومات عن القطاع الخاص لدينا اتضح أنه يملك من التقنيات والخبرات ما يفوق الكثير مما قد يتخيله البعض.
إن الجامعات ومراكز الأبحاث في الدول المتقدمة تعتمد في ميزانياتها على القطاع الخاص بشكل أساسي، وتمول الأبحاث لعمل الدراسات والأبحاث المتقدمة من الشركات لحل المشاكل التي تواجهها لتقديم خدمات أفضل وبتكلفة أقل.
أظن أنه من الأولى بجامعاتنا ومراكز أبحاثنا (بعد تحديثها لتلائم التقدم التقني والعلمي العالمي) أن تلتفت لمساهمة القطاع الخاص وخدمتهم، بعمل الدراسات، الأبحاث، تدريب وتأهيل اليد العاملة، حل المشاكل، وتطوير الأساليب والنظم للشركات الخاصة بدلا من أن تذهب أموالنا للجامعات ومراكز الأبحاث في الخارج للقيام بهذه الدراسات والأبحاث لصالح القطاع الخاص في المملكة وتساهم هذه الأموال في تطوير واستحداث التقنيات التي يتم بيعها علينا من جديد، ناهيك عن حقوق الملكية العلمية والفكرية وبراءات الاختراع .. إلخ.
حبذا لو أن وزارة التعليم العالي تأخذ بالاعتبار دعم القطاع الخاص للجامعات ومراكز الأبحاث وستكون، من وجهة نظري، منفعة متبادلة بين الشركات والجامعات للاستفادة من إمكانات مراكز الأبحاث ومختبرات الجامعة والطلبة وأعضاء هيئة التدريس مقابل استفادة الجامعة المادية والعلمية من الأبحاث والدراسات التي تقوم بها لصالح الشركات الخاصة.
لا يخفى على أحد أن القوة الحقيقية, التي يقاس بها مدى تقدم الدول وازدهارها الاقتصادي والتقني هي القطاع الخاص.
مازال هناك الكثير من التقصير في خدمة المجتمع والمساهمة في عملية التنمية البشرية من قبل القطاع الخاص لدينا، كما سبق وأن تطرقنا وبعض الباحثين لهذا الجانب, وهذا التقصير، ويجب أن يقارن ويقاس بما يقدمه القطاع الخاص في الدول المتقدمة لخدمة مجتمعهم وبيئتهم وليس الكسب المادي فقط كما تفعل بعض مؤسسات وشركات القطاع الخاص لدينا رغم الإمكانات المادية والعلمية لديها وامتلاكها أحدث التقنيات وأمهر العلماء والمهندسين على المستوى العالمي، لمن يخفى عنهم الأمر.
ولكن في المقابل يوجد تقصير من الجامعات ومراكز الأبحاث في المملكة بعدم إيجاد الأنظمة والقوانين التي تسهل وتساعد مشاركة القطاع الخاص وخدمته وتبادل المنفعة المادية والعلمية. ستكون مراكز أبحاثنا خلايا لا تنام ولا تهدأ وستكتشف من الطاقات والإمكانات ما يشبه المستحيل، إذا تم هذا الأمر على النحو المعمول به في الدول المتقدمة.