كيف بدأ عصر الميجي؟

كيف بدأ عصر الميجي؟

[email protected]

في يوليو 1853 م رست سفينة أمريكية قبالة الساحل الياباني، وكانت أمراً نادراً، فالشعب الياباني مغلق جدا، وعنصري جداً، وقاس جدا لا يعرفه إلا من عاشره وخالطه فروى عنه.
وكان اليابانيون حرصاً على نقاء جزيرتهم، يقتلون أي إنسان ينزل ساحتهم من الأغراب، حتى لو تحطمت به سفينته، واضطر إلى اللجوء إليهم. وحملة قوبلاي خان عام 1882م كانت ذكرى مرعبة، حين زارهم بـ 4400 سفينة، بما هو أكبر من حملة النورماندي؛ فكان سيف الساموراي في استقباله، في أفضل ضيافة دموية.
تقدم الجنرال (ماثيو بيري) برسالة إلى الإمبراطور الياباني، يطلب منه السماح للسفن الأمريكية، باستعمال المرافيء اليابانية، وأن يسمح للأمريكيين بالنزول إلى الساحل الياباني عند الضرورة.
قبل الإمبراطور بهذا، وكانت بداية انفتاح اليابان على العالم، بعد عزلة دامت 200 سنة. ولم يبق الأمر عند الأمريكيين، بل سارعت للاستفادة منه، دول غربية أخرى، وعلى رأسها بريطانيا.
وتطور الأمر ـ كالعادة في الضيافة ـ إلى احتلال الغربيين للشواطيء اليابانية، في الحملة الاستعمارية الناشطة يومها.
وفي عام 1862م قام بريطاني هو (تشارلز ليونكس ريتشاردسن) بإهانة أحد رجال الساموراي، فما كان منه إلا أن استل سيفه فقتل اللورد البريطاني.
غضبت بريطانيا، وطلبت محاكمة الياباني، وتعويض الإنجليزي؛ فلم تأبه اليابان؛ فما كان من بريطانيا إلا أن زحفت بسبع بوارج، تجاه الساحل الياباني، عند مقاطعة (كاجوشيما)، فأمطرت مدينة (ساتشوما)، بوابل من حمم البوارج.
وكان في المدينة شاب صغير عمره 14 سنة اسمه (هيهاتشيرو توجو) رأى بعينه الإذلال الذي أنزله البريطانيون باليابان، ومدى الذعر الذي سيطر على السكان، وهم لا يملكون سوى السيوف، في وجه هؤلاء الشياطين البيض، الذين يقصفونهم من بعيد، دون أن يلوثوا أيديهم بدم اليابانيين بالالتحام المباشر.
وكان مقاتلو الساموراي يلوحون بسيوفهم، ويصرخون بالبريطانيين: إن كنتم رجالا فانزلوا إلى الشاطيء، لنتبادل طعنات المهند الحسام؟! وهو أمر فات وقته..
تحولت مدينة (توجو) إلى كتلة من النيران، أمام عينيه، ولم يروا جنديا بريطانيا واحدا، بل كانت البوارج ترمي المدينة بنيران تتلظى.
وكانت هذه الواقعة حاسمة في تغيير العقل الياباني، فأدرك اليابانيون أنهم خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا.
وفورا أرسلوا إلى الغرب 150 شاباً من أذكى أولادهم وأكثرهم طموحاً وجلدا، فلا يعودون بدون معرفة سر البارجة التي تضرب من بعيد والمدفع الجبار؟
وهكذا بدأ عصر (الميجي) كناية عن اسم الإمبراطور، الذي كان يحكم يومها. وكان التوجه أن ينقلوا كل العلوم، من دون تحفظ، من أجل وضع اليد على سر تفوق الغرب.
ومن الغريب أن العالم العربي احتك بالغرب أبكر من هذا، عند سفح الهرم في معركة نابليون، وكتب رفاعة الطهطاوي عن (تلخيص الإبريز في أخلاق باريز)، ولكن اليابان اليوم في أعلى عليين، والعرب في أسفل سافلين.
كانت اليابان قبل زيارة الجنرال الأمريكي (بيري) معزولة، تعيش على فتات عصر الساموراي المنقرض، حسب نظام عرف باسم (بوشيدو)، وهو نظام حربي صارم، يقوم على التدريب المتواصل، باستخدام سيف مرهف النصل، يحمل باليدين، ويعيش المحارب زاهدا نزيهاً، بالإضافة إلى احترام (معلم السيف) إلى درجة التقديس، والانحناء العميق عند ظهوره.
وخلال خمسين سنة قفزت اليابان، من بلد متخلف إلى بلد من الدرجة الأولى، وهذا يعني أن تغير أي بلد لا يخرج عن هذا القانون، ويمكن أن يتغير، و يدخل العصر والحداثة. فقط بشروط دخول اليابان من روح التعلم والتواضع والانفتاح على كل الثقافات.
والأهم أن اليابانيين وضعوا خطة لتجاوز الفاصل، وهو ما حققوه، وظهر واضحاً في معركة (تسوشيما) مع الروس عام 1905م، حيث سحق اليابانيون الأسطول الروسي، كما فعلوا لاحقا في (بيرل هاربر) مع الأمريكيين. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

الأكثر قراءة