مأساة عفراء بين الكوادر المتميزة والوظائف الحكومية

[email protected]

نشرت جريدة "الرياض" الأربعاء 2 ربيع الأول الماضي, مأساة بنت الجوف عفراء التي حصلت على الماجستير من جامعة الملك سعود بعد حصولها على الشهادة الجامعية بمرتبة الشرف, وبدل أن تتسابق الجامعات الحكومية أو القطاع الخاص لاستقطاب الشابة المتميزة, تحولت إلى بائعة كتب في سكاكا لعدم وجود وظيفة، وبمتابعتي الإعلانات الحكومية الخاصة بطلب وظائف جديدة, في مجال التعليم والصحة, نجد أن هناك مشكلة تواجه الوزارات الحكومية في طريقة اختيار الموظفين حسب نظام الخدمة المدنية, والمعروف أن الخدمة المدنية تطلب تسجيل معاملة لديها وتسلم رقم مراجعة، ومن ثم انتظار موعد التعيين, وبهذا الأسلوب القديم أو غير (العملي) أقفلت الحكومة أبوابها أمام الكفاءات الوطنية المتميزة والدماء الجديدة, بل أصبحت تواجه معضلة أخرى في السنوات الأخيرة وهي تسرب الكوادر الحكومية الجيدة إلى القطاع الخاص, وحيث إن عفراء آنسة نجد أن توافر العمل لها في القطاع الخاص محدود خاصة ونحن نتكلم عن مدينة صغيرة مثل سكاكا.
ونتيجة لذلك فقدنا جيلاً متميزاً يستطيع مواكبة طموحات الحكومة في تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة والساعية نحو الإصلاح الإداري في شتى قطاعات الحكومة ومؤسساتها, فمن المفترض إعطاء كل شاب أو شابة فرصته حسب كفاءته العلمية والمهنية ووضعه في المكان المناسب من خلال التوظيف العادل وعدم تجاوز الشروط الموضوعة.
لذلك فإن الحكومة تعاني التضخم الوظيفي الذي يعتبر كارثة بالنسبة لجهاز الحكومة, حيث التضخم الوظيفي لا يتمثل فقط في التكلفة الاقتصادية المباشرة, ولكنه في الآثار والتداعيات الأخرى على مستوى الإنتاجية العامة للجهاز الحكومي, ومن ثم على مستوى الرضا العام للمواطنين, وكذلك آثاره الاجتماعية التي يخلفها هذا التضخم حينما تتحول الوظيفة العامة إلى شكل من أشكال التوظيف الاجتماعي ووسيلة سلبية لتبديد الميزانية العامة.
ومع محاولات الإعلام والصحافة المتكررة للتنويه عن معاناة المواطن مع الدوائر الحكومية، التي بموجبها صدرت الأوامر السامية من مقام خادم الحرمين الشريفين (شخصياً) لجميع المسؤولين بأهمية إنهاء إجراءات ومعاملات المواطنين في أسرع وقت. إلا أنه للأسف أخذ الأمر على محمل شد الهمم دون أن يدرك المسؤولون الغاية من صدور الأوامر السامية وهي وضع الخطط والبرنامج والآليات اللازمة لجميع أعمال الوزارات كل فيما يخصه، لا أن يقتصر الأمر على مجرد توزيع التعاميم للموظفين بأهمية إنهاء المعاملات دون توضيح كيفية إنهائها وترك ذلك لاجتهادات ومزاجية الموظف!!

لذلك فإن أفراد المجتمع غير راضين عن أداء الموظفين في أغلب الجهات الحكومية, حيث إن آليات وطرق وأساليب وإجراءات العمل في الإدارات الحكومية سلبية وبطيئة جداً، وكثيراً ما يغلب عليها جو الروتين الذي يتسبب في تعطيل المعاملات وتأخير المصالح ويزيد من معاناة المراجعين, إضافة إلى تدخل الواسطة في كثير من الأمور التي أصبحت القاعدة الأساسية لكسر النظام حتى لو كانت على حساب الآخرين.
إن جميع المطالبات والحلول التي تنادي بإنهاء هذه المشكلة من خلال استخدام التقنيات الحديثة ومشاريع الحكومة الإلكترونية لتوفير الكثير من الوقت والجهد، يتم حفظها نظراً لكون القائمين عليها لا يستطيعون التعامل مع هذا التطور والتحديث, وهذا هو حال دوائرنا الحكومية, الكل يشتكي من البيروقراطية.
ففي قطاع التعليم العالي, وبسبب هجرة الكفاءات الوطنية, تأخرت جامعاتنا السعودية واحتلت المراكز الأخيرة, لعدم قدرة الجامعات على جذب الكوادر الأكاديمية الوطنية المميزة للعمل في الجامعات السعودية, نتيجة ضعف ما يُقدم لها من حوافز وإغراءات.
ولعل أهم أسباب خروج الكفاءات الوطنية من القطاع العام هو «سلم رواتب موظفي الخدمة المدنية» الذي لا يزال على وضعه الذي تم إقراره منذ أكثر من 25 عاماً, ففيما عدا مكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (15 في المائة) لم يشهد سلم الرواتب أي تغيير, وفي المقابل تغيرت الظروف المعيشية والمادية وما صاحبها من تغير في الأسعار فهل من المعقول أن يحصل الموظف الحاصل على شهادة البكالوريوس على راتب لا يزيد على 4500 ريال في المرتبة السادسة أو 5200 ريال لموظف حاصل على درجة الماجستير أو ستة آلاف ريال لشخص حاصل على درجة الدكتوراة في قطاع مهم مثل الصحة والتعليم والبلدية, حتى في قطاع الهندسة أحد أهم العلوم الحديثة, يحصل المهندسون الذين توكل إليهم أعمال الإشراف والتنفيذ على المشاريع العامة التي تصل تكاليفها مئات الملايين من الريالات لا يصل راتبهم الشهري إلى سبعة آلاف ريال إلا بعد خمس سنوات من الخدمة مع الأخذ في الاعتبار أن بداية تعيينهم تكون على المرتبة السابعة الدرجة الثالثة التي راتبها ستة آلاف ريال.
كذلك يجب على الإدارات الحكومية تحويل بنود الاحتفالات والسفر والانتقال إلى بند التأهيل, بل وزيادة حجم ميزانياتها السنوية المخصصة للتدريب والتأهيل لموظفيها مع العمل على جذب عدد كبير من خريجي الجامعات الوطنية والأهلية والعالمية ذوي الكفاءات المتميزة, ويجب على الإدارات الحكومية استغلال الكفاءات الوطنية المتميزة التي صرفت عليها الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة مبالغ كبيرة حيث أنفقت على تنمية الموارد البشرية وتطويرها مبلغ 670 مليار ريال, وأيضا بلغ إجمالي الإنفاق العام على التعليم في الخارج مبلغ 2.7 مليار ريال سعودي حيث يبلغ عدد السعوديين الذين يدرسون في الخارج 18 ألف طالب ومتوسط إنفاق الطالب الواحد في حدود 150 ألف ريال سعودي سنويا, لذلك يجب على القطاع العام السعودي أن يعمل على استكشاف المواهب الإدارية والفنية الوطنية بالتعاون مع الجامعات والمعاهد المهنية وابتعاث عدد من الموظفين إلى الخارج لتطوير أدائهم الوظيفي بما ينعكس إيجابيا على تطوير الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.
ختاماً أتمني من وزارة التخطيط ووزارة العمل والخدمة المدنية إعداد مشروع دليل الكفاءات في السعودية Who is Who للتعريف بالعاملين من السعوديين من ذوي المؤهلات العلمية العليا في التخصصات كافة من جامعات عربية وغربية وغيرها، وذوي الكفاءة المهنية والخبرة العلمية، وذلك لتمكين الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية من التعرف على الموارد البشرية المتاحة، بغية تكامل الخبرات وتوظيفها التوظيف الأمثل والاستفادة منها استفادة قصوى مع ضرورة رصد عناوين الرسائل العلمية للحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه لتتسنى الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي