20 % من السعوديين يعانون اضطرابات نفسية
أحمد شاب في مقتبل العمر كان في يوم من الأيام يتمتع بصحة جيدة وربما كان أيضاً متفوقاً في مادتي الفيزياء والرياضيات، يفاجئه مرض وهو في الثامنة عشرة من العمر، أي قبيل أن يبدأ العمر الإنتاجي للإنسان العادي. يعاني أحمد تخيلات سمعية تصدر من أماكن مجهولة وربما أيضاً تخيلات بصرية، فيسمع أصواتا تأمره بفعل أشياء معينة وتنهاه عن أمور أخرى, كما أنه "يرى" شخصا ما يحاوره أو ينتقد تصرفاته. لا يستطيع أحمد مقاومة هذه التخيلات مع أنها أقرب للأوهام من أي شيء آخر فيبدو كأنه يتحدث مع نفسه أو أنه يحدق في الفضاء. مرض أحمد اسمه الفصام, واطلعت على إحصائية تقول إن هناك 15 ألف مريض، يعانون مرض الفصام العقلي في الرياض وحدها. لن أستغرب لو قرأت أن العدد في جدة أكبر حيث الضنك والعصابات الإفريقية والغربان.
يقول الدكتور محمد عرفان رئيس ندوة جدة السابعة للطب النفسي "نحو صحة نفسية متكاملة"، إن الإحصائيات الطبية تشير إلى انتشار المرض النفسي في المجتمع السعودي بمعدل يقارب 20 في المائة، وإن غالبية المرضى هم من الشريحة العمرية التي تقل عن 30 عاما. معظم هؤلاء يعانون اضطرابا سلوكيا في علاقتهم مع الأسرة والمجتمع، التي تعود أسبابها إلى أساسيات التنشئة والإغراءات الخارجية وضعف دور الأسرة وضعف دور المدرسة وضعف الوازع الديني. لا بد أن جميع هذه العوامل أو بعضها تتداخل فيما بينها لتنتج الأمراض النفسية في بيئتنا التي بدورها تنتج روايات ومسرحيات درامية داخل أسوار البيوت.
ليس عيباً أن 20 في المائة من ربعنا معرضون لاضطرابات نفسية، فهي تعد من الأمراض الشائعة في العصر الحديث وفي جميع أنحاء العالم، والناتجة عن الضغوط الحياتية اليومية ذات النمط المتقلب والسريع. هناك مثلاً جنون الأسهم وجنون الحب وجنون المدير في العمل وجنون المدير في المنزل وجنون قيادة السيارات في جدة. مرض الاكتئاب يعد من أكثر الأمراض النفسية شيوعا في العالم، وخاصة بين النساء بنسبة سيدتين لكل رجل. المؤشرات العالمية تشير إلى أن شخصاً من بين أربعة أشخاص في العالم مرشح للإصابة بمرض الاكتئاب نتيجة الضغوط النفسية مع اختلاف ظروف كل مجتمع وخصوصيته. تقول الإحصائيات العالمية إن الاضطرابات النفسية الكبرى مثل الفصام العقلي واضطرابات الأمزجة والاكتئاب والوسواس والتوحد لدى الأطفال والخرف لدى الكبار ومرض الزهايمر، تصيب مجتمعة ما يقرب من عشر سكان الأرض.
من المهم طبعاً الاكتشاف المبكر للأمراض النفسية قبل فوات الأوان، واللجوء إلى الطريقة السليمة للعلاج في المراكز الطبية المتخصصة، والابتعاد عن المشعوذين والدجالين في القنوات الفضائية. أكثر الأمراض النفسية شيوعا هي وهَمَ الظلم والاضطهاد.
نورة فتاة في السادسة عشرة من عمرها تشعر أن نظرات "معينة" تراقبها بقصد إلحاق الضرر بها. نورة تتصرف بعنف تجاه كل من دخل (أو دخلت) في دوامة أوهامها اليومية وهي مقتنعة تماماً أن ما تفعله هو دفاع عن النفس. قد تستجيب نورة للعلاج بصورة جيدة أو قد ينتهي بها الأمر إلى الانتحار بعد معاناة نفسية قاسية.
آمل أن تكون ندوة جدة عن الصحة النفسية قد ناقشت قضايا التشخيص المبكر للأمراض الذهنية وأهمية التدخل المبكر في العلاج، العلاج الفاعل لمرض الانفصام، علاج الاكتئاب بكل أنواعه، أمراض الحركة الزائدة وفقدان التركيز، الضغوط النفسية والعصبية وتأثيراتها السلبية، أمراض الأطفال والمراهقين، أمراض المخ العضوية ووسائل علاجها بالطب الحديث، الطب النفسي الجنائي، واستعراض تجارب برامج علاج الإدمان. كذلك لا بد من تشجيع ودعم البحوث لدراسة الأمراض النفسية في مجتمعنا وابتعاث الأطباء للتخصص في الأمراض النفسية التي تعددت وتشعبت تخصصاتها الدقيقة. الوضع النفسي متأزم ويحتاج إلى ابتعاث الإخصائيين النفسيين الإكلينيكيين وتدريبهم، وابتعاث الممرضين والممرضات للتخصص في التمريض النفسي. لا بد من الوعي المجتمعي بالأمراض النفسية وطرح السبل العلاجية لها. كما آمل أن تكون الندوة قد أوصت بزيادة الاهتمام بمقومات الرعاية النفسية في السعودية من حيث نسبة الأطباء النفسيين إلى السكان ونسبة عدد الأسرة إلى السكان، وكذلك معدل الإنفاق على الصحة النفسية إلى معدل الإنفاق الصحي العام، وهي بالمناسبة أقل في السعودية مقارنة بسريلانكا.