جيل الألفية الحانق على الرأسمالية لا يمكنه الانعتاق منها
على مواليد العقد الأول وما قبله أن يعملوا وينخرطوا في مجتمع الأعمال حتى يمكنهم التخطيط للتقاعد
ليس سراً أن أبناء مطلع هذه الألفية وخواتيم سابقتها غير راضين عن الرأسمالية وثقافة العمل الجاد التي تغذيها. وقد أظهرت استطلاعات رأي كثيرة خيبة أمل هذه الأجيال من النظام الاقتصادي الأمريكي ومحاولاتهم للنأي عنه.
لهذا شهدنا اتجاهات مثل ”ليزي غيرل جوبز“ (#lazygirljobs) أو "الاستقالة الهادئة" أو "أيام إثنين بالحد الأدنى" تنطلق على مر السنين. ويمكن اعتبار شعار "2025 بلا مشتريات"، الذي لقي رواجاً على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية العام، رد فعلٍ عنيفٍ على الاستهلاكية التي تتغذى من المجتمع الرأسمالي.
لكن هل يستطيع الحانقون بسبب مشاركتهم في مجتمع رأسمالي أن يختاروا حقاً الانسحاب؟ قد لا يعجب هذا الجواب أصحاب المثاليات، لكن الطريقة الوحيدة لتحدي الرأسمالية حقاً هي تحقيق الانعتاق المالي أولاً عبر الانخراط في الرأسمالية. والسبب الأهم هو مسألة التقاعد.
حبل سري لا ينقطع
دعونا نركز على وول ستريت لأنها غالباً ما يُشار إليها كرمزٍ للأنظمة التي تعمل على توسيع فجوة التفاوت في الثروة، وهي من أمراض المجتمع التي يعزوها الشباب إلى الرأسمالية.
نظرياً، ينبغي الانسحاب من أي تداخل مع حي المال لرفض النظام الاقتصادي الأمريكي. المشكلة هي أن سوق الأوراق المالية غالباً ما تكون أساساً لما قد يوفر فرصةً لتحقيق الأمن المالي على المدى الطويل. إن شبكة الأمان هذه تأتي غالباً على شكل خطة ادخار تقاعدية مشابهة، وهي تقتضي الاستثمار كي تؤدي مفاعيلها.
قد يجد المنفتحون على اتخاذ هذه الخطوة برغم ازدرائهم للرأسمالية صعوبة في اختيار شركات ذات ممارسات تجارية تتوافق مع الحساسيات الأخلاقية والقيمية. ويكاد يستحيل الاستفادة من صناديق المؤشرات من دون وجود شركة واحدة على الأقل غير مرغوبة ضمن الباقة.
أوجد هذا الواقع فرصة عمل للسمسرة، وقد استفادت المؤسسات المالية والمستشارون الآليون ومنصات الاستثمار القائمة على التطبيقات، من رغبة الشباب في الاستثمار بما يتماشى مع قيمهم من خلال تقديم أو زيادة الترويج لصناديق البيئة والمجتمع والحوكمة والاستثمار المسؤول اجتماعياً.
انحسار الاستثمار الملتزم
كانت هناك مطبات بالطبع، ولم ينقض وقت طويل قبل استدعاء بعض الشركات المالية بتهمة "التضليل البيئي"، لانخراط في تسويق خادع ومضلّل جذباً للمستثمرين، فنتج عن ذلك تشديد من لجنة الأوراق المالية والبورصة في 2022.
بحلول 2024، بدا أن إقبال المستثمرين الأمريكيين على الاستثمار المراعي للبيئة والمجتمع والحوكمة ينحسر ولم يمثل سوى 11% من 3.2 تريليون دولار مستثمرة عالمياً في صناديق من هذا القبيل، وفقاً لتحليل من "مورنينغ ستار".
يواجه الذين لا يزالون مهتمين بالاستثمار المراعي للبيئة والمجتمع والحوكمة تحدياً آخر. تصعّب اللوائح الجديدة لهيئة الأوراق المالية والبورصة على المستثمرين من عملية التأثير في سلوك الشركات، ما قد يعيق قدرة الصناديق المراعية للبيئة والمجتمع والحوكمة على الأداء بالطريقة التي يريدها مناهضو الرأسمالية.
التوفير بديل قد لا يكفي
إذا كانت خيارات الاستثمار بما يتماشى مع الأخلاقيات والقيم ضئيلة أو إلى حد ما مفقودة، فماذا عسى أن يفعل مناهضو الرأسمالية؟
يستطيع البعض أن يحاولوا الادخار ببساطة لتحقيق أهداف مالية كبرى -مثل صندوق التقاعد- لكن هذه مهمة شاقة. يتطلب الأمر ادخار ما يقرب من 43000 دولار في حساب توفير بمعدل فائدة سنوي 0.01% لمدة 35 عاماً لجمع 1.5 مليون دولار، وهو المبلغ الذي يعتقد كثير من البالغين في الولايات المتحدة أنه كافٍ لتقاعد مريح.
حتى متوسط معدل فائدة سنوي متفائل بنسبة 0.50% على حساب توفير مرتفع العائد خلال 35 عاماً يتطلب تخصيص زهاء 38000 دولار سنوياً، وهذا يدر نحو 60000 دولار سنوياً. إنه ليس رقماً مشجعاً في ظل ما جاء به مكتب إحصاءات العمل حديثاً من أن المتقاعدين أنفقوا في المتوسط نحو 55000 دولار سنوياً على معيشتهم في 2022.
مع ارتفاع تكاليف المعيشة، يصعب تخيل أن يفي هذا المبلغ بمقتضيات العيش المريح في غضون بضعة عقود. وهناك أيضاً أمر يصعب تجاهله هو أن حتى الادخار يعني على الأرجح إيداع المال في بنك، وهو ما يعني بطبيعته التفاعل مع الرأسمالية الأمريكية.
ما قد يكون أنفع لمناهضي الرأسمالية هو تحول في التفكير. بدل التركيز على العواقب المجتمعية المترتبة على استثمار أصول ضئيلة في خطة تقاعد شخصية أو عبر وساطة خاضعة لضريبة، يمكنهم التركيز على التأثير في تغييرات أوسع.
على سبيل المثال، إن الضغط على المنظمات، مثل الجامعات التي لديها أوقاف، للتخلي عن استثماراتها في صناعات معينة -مثل شركات الأسلحة والوقود الأحفوري- له بصمة أكبر كثيراً من انسحاب فرد من سوق الأسهم.
بقدر ما قد يكون تقبل هذا مزعجاً لكثيرين، لا توجد طريقة مثالية للابتعاد تماماً عن النظام الاقتصادي الذي ترسخت جذوره بعمق في نسيج المجتمع الأمريكي.
على الأقل، إن كنت تفكر في مستقبلك. قد لا تكون الثروة هي الهدف إذا كانت الرأسمالية هي العدو، لكن الأمن المالي يجب أن يكون أولوية. بهذه الطريقة، فإن أي شخص يهدف إلى إحداث فرق ذي مغزى مجتمعي سيحظى بالوقت والطاقة والموارد اللازمة لتحقيقه.
خاص بـ "بلومبرغ"