كيفية علاج التمويل الصحي

كان من الممكن أن يؤدي الفشل في التصدي لجائحة كوفيد-19 إلى عواقب وخيمة على الصحة العالمية. فقد كشفت الجائحة عن ثغرات كبيرة في الإطار الدولي القائم، ومنها الافتقار إلى التنسيق بين منظمات متعددة والتوزيع غير العادل للقاحات بين البلدان مرتفعة ومنخفضة الدخل. ويحتاج البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى موارد صحية إضافية بشكل عاجل. غير أنه يتعين إنفاق الموارد المتاحة بكفاءة، وتحسين التنسيق بين الجهات المانحة الدولية في القطاعين العام والخاص. وجدير بالذكر أن الاقتصادات النامية لا تخصص موارد محلية كافية للقطاع الصحي، كما أن الهيكل المعقد للجهات المانحة يضعِف التمويل الخارجي.
الميزانيات الصغيرة وغير المنفَقة: ظل الإنفاق العام على الصحة راكدا في الآونة الأخيرة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل عند مستويات أقل من 2% من إجمالي الناتج المحلي، أي نحو نصف ما تنفقه هذه البلدان على التعليم – ربما انعكاسا لتصور وزراء المالية بأن الجهات المانحة تقدم ما يكفي لذلك. وتشير البيانات الأولية إلى زيادة الإنفاق أثناء جائحة كوفيد-19، لكن عديدا من البلدان خفضت الإنفاق منذ ذلك الحين إلى مستويات ما قبل الجائحة.
ويبعث ذلك على القلق بشكل خاص نظرا إلى الطلب المتنامي على الخدمات الصحية والعبء المتزايد للأمراض غير السارية، مثل الأمراض القلبية الوعائية والسرطان والسكري، التي تشهد ارتفاعا متزايدا بسبب شيخوخة السكان وزيادة التلوث البيئي وتغير أنماط الحياة المرتبطة بارتفاع الدخل.
وفي كثير من الأحيان، لا تُنفَق الأموال المخصصة لميزانيات الصحة بالكامل، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء. وتشير التقديرات المبنية على الأسعار الثابتة لعام 2020 إلى أن نقص الإنفاق في القطاع الصحي يؤدي إلى خسارة قدرها 4 دولارات للشخص الواحد. وتعادل هذه الخسارة ما تنفقه بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ذات الدخل المنخفض على الرعاية الصحية الأولية لكل شخص.
انخفاض الإيرادات وارتفاع الديون: أصبح تحصيل الضرائب ثابتا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط وأدى إلى حرمان القطاع الصحي والقطاعات الاجتماعية الأخرى من الموارد. ففي بعض البلدان منخفضة الدخل، تبلغ الإيرادات الضريبية أقل من 10% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل بكثير من النسبة البالغة 15% التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.
وفي الوقت نفسه، تنفق بعض الاقتصادات النامية أكثر من ثلث الإيرادات الضريبية التي تحصلها بالفعل على خدمة الديون المحلية والخارجية، ما يزيد من تقييد الإنفاق على التعليم والصحة. وبعودة البلدان إلى المديونية مرة أخرى، تآكلت المنافع المحققة من مبادرات تخفيف أعباء الديون السابقة، مثل المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك" التي أُطلقت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، والمبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون التي أطلقت 2005.
ركود مساعدات المانحين، ظلت المساعدات الصحية في حدود لا تتعدى 1% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط طوال ما يقرب من العقدين قبل حدوث الجائحة، ولم تشهد سوى زيادة طفيفة بعد ذلك. وتبدو آفاق المساعدات المستقبلية قاتمة نظرا لضغوط المالية العامة على البلدان المانحة والتحول في الديناميكيات الجغرافية-السياسية.
التشتت: معظم ما تكون المساعدات الصحية الخارجية متقلبة، وتعطي أولوية أكبر لجداول الأعمال العالمية مقارنة بالاحتياجات الوطنية. وقد تكاثرت البرامج المخصصة لأمراض محددة، والمعروفة باسم "الصناديق الرأسية"، وصنعت مشهدا مشتتا لمانحين متعددين يعملون بشكل مستقل، ما أسفر عن ازدواجية في الجهود وانعدام للكفاءة.
وعلى المستوى الدولي، ينبغي للجهات المانحة أن تعمل على مواءمة جهودها مع أولوية البلدان المتمثلة في الرعاية الصحية الشاملة. فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تحسن كبير في تنسيق الصناديق الصحية الرأسية المخصصة لأمراض معينة، ما سيسمح بتوسيع نطاق المنافع المتحققة بالتدريج والحد من عدم كفاءة الإنفاق. والدواء ليس بجديد،
ومن الممكن أن تبدأ عملية الدمج بمنظمات مثل التحالف العالمي للقاحات والتحصين والصندوق العالمي، حيث تستطيع تكييف أنظمتها المعنية بإعداد التقارير لتطبيق منهج المشتريات المُجَّمَعة بشكل فَعَّال. وبمرور الوقت، يمكن أن تتبنى هذا المنهج جهات مانحة رئيسية أخرى مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الصحة العالمية، والكيانات المكلفة بشراء المنتجات الصحية. ولاستكمال العلاج، يجب على وزارات المالية والصحة أن تفهم لماذا قد يكون من الصعب إنفاق الميزانيات المتوفرة لديها بالفعل. فصندوق النقد الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف يقدمان المساعدة لتعزيز الإدارة المالية العامة على نطاق واسع، ولكن ينبغي لهما التركيز على تحسين تنفيذ الميزانية داخل القطاع الصحي. فوزير المالية قد لا يرفع مخصصات الميزانية الصحية إذا لم يكن وزير الصحة قادرا على إنفاق الميزانية الصحية القائمة.
ويستطيع مجتمع الصحة العالمي أن يتجاوز الوضع الراهن، وأن يرسم مسارا جديدا نحو أنظمة صحية متكاملة ومستدامة تتماشى مع الأهداف الاقتصادية والتنموية الأوسع. ومن شأن الالتزام والتعاون أن يبنيا عالما أكثر صحة وإنصافا للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي