المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال
عَرَفَِّت الغرفة التجارية العالمية المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال على أنها جميع المحاولات التي تسهم في تطوعهم لتحقيق تنمية أخلاقية واجتماعية. وبالتالي فإن المسؤولية الاجتماعية تعتمد على المبادرات الحسنة من رجال الأعمال دون وجود إجراءات ملزمة قانونيا.
كما عرف البنك الدولي مفهوم المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال على أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد ولذلك فإن المسؤولية الاجتماعية تتحقق من خلال الإقناع والتعليم.
وفي كتاب "كيف يمكن تغيير العالم؟ الرواد الاجتماعيون وسلطة الأفكار الجديدة" للمؤلف دافيد بورنستاين. يخلص المؤلف إلى وجود أنماط سائدة بين رجال الأعمال وبين الأساليب التي اتبعوها لتحقيق أهدافهم الاجتماعية، التي يطلق عليها المؤلف الصفات الست لرجال الأعمال الاجتماعيين الناجحين وهي:
1. الاستعداد للتصحيح الذاتي والشجاعة للوقوف والقول إن فرضياتنا وتوقعاتنا كانت خاطئة.
2. الاستعداد لمشاركة الآخرين معهم في الإنجازات المحققة.
3. الرغبة في الانعتاق من الهياكل الإدارية للمنشآت القائمة. فالدور الاجتماعي للأفراد، الذين كثيراً ما ينجحون حيث تفشل الجهات الرسمية، هذا لا يعني أن الجهات الرسمية ومراكز الدراسات لا تقوم بأدوار مهمة في الابتكار الاجتماعي، والسبب هو أنهم مجموعة مؤمنة بقضية ما، وتعمل بطرق مستحدثة فريدة في حين تعمل الجهات الرسمية من منطلق الواجب وبطرق تحكمها البيروقراطية والروتين. وهذا أمر بالغ الأهمية فالإبداع يتطلب القدرة على الانفصال عن التجارب الماضية.
4. الاستعداد لعبور حدود التخصصات وربط الحلول.
5. الاستعداد للعمل بهدوء.
6. زخم أخلاقي قوي.
فمع تقلص دور الحكومات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أصبح للقطاع الخاص دور مهم في المشاركة الجادة، فلقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال من المبادئ التنموية الأساسية التي يدعو إليها المجتمع الدولي.
والمسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال في الدول الكبرى تجاوزت صفة العطاء العشوائي غير المنظم وغير المحدد للهدف، أصبح من الصعب على الشركات الكبرى التي يرأسها رجال الأعمال التغاضي عن دورها التنموي وإحساسها بالمسؤولية الاجتماعية داخل المجتمع.
وأهمية هذه المشاركة الاجتماعية لا تكمن فقط في مجرد الشعور بالمسؤولية، وإنما أصبحت أمرا ضروريا لكسب تعاطف المجتمع واحترامه وبالتالي ضمان النجاح والإقبال من الجماهير. ونتيجة لذلك، سعت العديد من الشركات إلى إنشاء أقسام ومؤسسات تنموية لخدمة المجتمع أو على الأقل عمل خطة سنوية منظمة واضحة الأهداف لتحقيق مسؤوليتها الاجتماعية.
من أهم العقبات التي تواجه انتشار المسؤولية الاجتماعية بين رجال الأعمال في المملكة عدم وجود ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى معظم رجال الأعمال. حيث إن معظم جهودهم تنحصر في أعمال خيرية غير تنموية مرتبطة بإطعام أو توفير ملابس أو خدمات للفقراء وليس لمشاريع تنموية لتغيير وتطوير المستوى المعيشي والصحي والتعليمي لهم، أو التغيير في العادات السيئة أو الدعوة لعادات وخدمات حسنة لتحسين المعيشة في المجتمع بصفة عامة.
وتوجد في الساحة بعض الممارسات التي لا تتعدى أصابع الأيدي لممارسة المسؤولية الاجتماعية، لذا فإننا في حاجة إلى مجهودات كبيرة لنشر هذه الثقافة، التي يجب أن تنتشر من خلال إبراز الواجب الديني والأخلاقي والوطني الذي يحتم على رجال الأعمال أن يقوموا به، وواجب الدولة وضع القوانين المحفزة لرجال الأعمال، التي تجعل من عطائهم حافزا لإنجاح وترويج أنشطتهم التجارية.
فالعدد الأكبر من رجال الأعمال الذين يمارسون العمل التطوعي كمسؤولية اجتماعية على أساس أنه جزء من الدعاية لهم أو ممارسة المظهرية والتعالي على بعضهم البعض، لكن من يؤمن حقاً منهم بأهمية دوره في المجتمع لا أظنه يبخل بوقته وجهده وماله ولكنه قد لا يعرف الوسيلة الصحيحة فقط.
وتنتشر الآن في الدول المتقدمة نوعية جديدة من البرامج التطوعية، التي يمارسها رجال الأعمال فهناك مثلاً برامج الإرشاد Mentoring وهو التطوع بالوقت لإرشاد وتوجيه أصحاب المشاريع الصغيرة وتبنيهم معنوياً حتى يتمكنوا من الاستفادة من خبرات رجال/ سيدات الأعمال. (ومن الممكن تقديم هذه الخدمة لصندوق المئوية في المملكة كمرشد لطالبي القروض لإنشاء مشاريع صغيرة).
وهناك أيضاً برامج ظل المهنة job shadowing وهي مرافقة رجل الأعمال لمدة محددة في جميع أعماله وفي كل مكان مثل ظله للاستفادة من خبراته وأسلوبه في العمل. والتقنية المستخدمة للتطوع هي التعليم والتدريب ونقل الخبرات لمن هم في حاجة لها من أصحاب المشاريع الصغيرة والشباب من رجال الأعمال.
لذا توجد برامج تدريبية متخصصة في الدول المتقدمة لتدريب رجال الأعمال الكبار بكيفية القيام بهذا النوع من الأعمال التطوعية، التي قد تكون مناسبة لأنشطتهم وتخلق لديهم متعة أكبر عند ممارسة المسؤولية الاجتماعية ولعل مثل هذه البرامج تكون أول الطريق لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال.