خطبة الجمعة (2 من 2)

[email protected]

لقد أعدت النظر كثيرا في خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأملت فيها مرارا فما وجدتها تحوي هذا التسابق المسعور، الذي ظهر أخيراً لدى فئة من الخطباء في التكلف والتقعر في الخطب، بل ويختارون من العبارات أغربها ومن الألفاظ أقلها استعمالا ومن الموضوعات ما لا ينتفع منه المستمعون، حتى صارت الخطب موجهة لفئة معينة وحرم العامة من نفعها فابتعدت الخطبة بذلك عن مقصودها، وقد سألت مرة أحد العامة عما فهمه من خطبة أحد الخطباء فأجاب أنه لم يفهم سوى الدعاء وهذا العامي ممن يتكلم بلسان عربي ويقرأ القرآن بطلاقة فعجبا لمثل هؤلاء الذين يرتقون درجات المنابر وهم يرددون قول علي رضي الله عنه "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله" وبوب عليه البخاري باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا، قال العيني حدثوا الناس بما يعرفون أي بما يفهمون والمراد كلموهم على قدر عقولهم ودعوا ما ينكرون ويشبه عليه فهمه وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود رضي الله عنه ذكره مسلم في مقدمة كتابه بسند صحيح، قال ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة وذلك لأن الشخص إذا سمع ما لا يفهمه وما لا يتصور إمكانه يعتقد استحالته جهلا فلا يصدق وجوده، فإذا أسند إلى الله ورسوله يلزم تكذيبهما، قلت وأقل حذر يمكن هو خروج المصلي دون فهم وقد أمر بالتبكير واستماع الخطبة ففوته بذلك خيرا كثيرا، قال الشافعي رحمه الله تلون كلام الخطيب مسترسلا مبينا معربا من غير قعر ولا تمطيط، وقال المتولي: وتكره الكلمات المشتركة والبعيدة عن الأفهام، روى الحاكم في تاريخه بإسناده عن أبي قدامه عن النضر قال سئل الخليل عن مسألة فأبطأ بالجواب فيها، قال فقلت ما في هذه المسألة كل هذا النظر قال فرغت من المسألة وجوابها ولكني أريد أن أجيبك جوابا يكون أسرع إلى فهمك، وعن الربيع قال سمعت الشافعي يقول لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا على قدر عقله ما فهمنا منه لكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه وهذا وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي