أهداف الألفية ليست لمثلنا

[email protected]

عدم الاتساق والتذبذب في تصريحات وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير الشؤون الاجتماعية حول واقع مشكلة الفقر في بلادنا ورؤية الوزيرين لما تم إنجازه وما نصبو إلى تحقيقه في هذا الشأن، أظهر أن ليست لدينا استراتيجية لمحاربة الفقر والقضاء عليه، وأن الاستراتيجية التي طال الحديث عنها وكلف إعدادها 100 مليون ريال، لم تكن استراتيجية لمكافحة الفقر، وإنما هي استراتيجية "لمعالجته" فقط، أي أنها لا تسعى ولا تطمح للقضاء على الفقر أو الحد منه وإنما تهدف فقط إلى معالجة آثاره وتخفيف معاناة الفقراء, الأمر الذي قد يفسر استمرار نمو أعداد الفقراء واتساع ظاهرة الفقر رغم الطفرة الاقتصادية الهائلة والتحسن الكبير في أوضاعنا المالية، بحيث إن وزارة الشؤون الاجتماعية بدلا من أن تبشرنا بتراجع ظاهرة الفقر وتقلص أعداد المستحقين للضمان الاجتماعي، نجدها، بدلا من ذلك، تعلن ضمها ما يزيد على 186 ألف عائلة العام الماضي إلى مستحقي الضمان الاجتماعي. كما اتضح أن أجهزتنا التنفيذية تقيس إنجازاتها في هذا الشأن ليس بقدر نجاحها في القضاء على الفقر أو الحد منه، وإنما فقط بقدر نجاحها في تحقيق أهداف الألفية التنموية، أي القضاء على الفقر المدقع أو "الجوع"، فوزارة تقول إنه تم القضاء على الجوع في 2006، وأخرى تقول إننا حتى الآن قضينا على نصف حالات الجوع فقط ونطمح ونتمنى القضاء عليه بشكل نهائي في 2009.
والحقيقة أنه من المحبط أن تعقد المؤتمرات الصحافية وتقام الندوات للحديث عن إنجاز متواضع كتحقيق أهداف التنموية الألفية، التي وضعت أصلا لتكون أهدافا تصبو إلى تحقيقها الدول الأكثر فقرا والأقل نموا في العالم، باعتبار أن تلك الأهداف لا تعدو كونها حدا أدنى لما يجب أن تحققه التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية على مستوى العالم، واحتفاؤنا بتحقيق مثل هذه الأهداف، يظهر قدرا غير معقول من تواضع الأهداف التنموية التي نسعى إلى تحقيقها مع كل ما نتمتع به من أوضاع مالية إيجابية. فأهداف الألفية تحدد حدودا دنيا لما يجب على دول العالم تحقيقه خلال الفترة 1990-2015، التي من أهمها تحقيق التالي:
1 ـ خفض من يعانون الجوع إلى النصف.
2 ـ خفض نسبة السكان العاجزين عن التأمين المستدام لمياه الشرب الآمن الاستعمال إلى النصف.
3 ـ إيقاف انتشار فيروس الإيدز وإيقاف حدوث الملاريا والأمراض الرئيسية.
4 ـ خفض نسبة الوفيات بين الأمهات بمعدل ثلاثة أرباع.
5 ـ خفض وفيات الأطفال دون الخامسة إلى الثلثين.
6 ـ إزالة التفرقة الاجتماعية بين الجنسين في مستوى التعليم الابتدائي والثانوي.
ونجاح تشاد أو جيبوتي، على سبيل المثال، في تحقيق مثل هذه الأهداف يمثل، دون أدنى شك، تحديا هائلاً وإنجازاً تنمويا يحق لها الافتخار به، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لسنغافورة وماليزيا أو دول مجلس التعاون الخليجي، فما تملكه من إمكانات وما حققته من إنجازات تنموية تجعل لزاما عليها أن تكون طموحاتها التنموية أعلى من هذا الحد المتواضع بكثير. ما يجعل احتفاءنا بتحقيق مثل هذه الأهداف قصورا وتواضعا في أهداف سياساتنا الاقتصادية التنموية، ودليلا على افتقارنا إلى استراتيجية تحارب الفقر وتستهدف القضاء عليه، وأحد إفرازاته تدني طموحاتنا لتقتصر على مجرد تخفيف معاناة الفقراء أو القضاء على الجوع وليس محاربته واجتثاثه، رغم امتلاكنا كل الإمكانات التي تحقق لنا ذلك. فإيراداتنا النفطية التي تضاعفت عدة مرات في سنوات قليلة، وإنفاقنا الحكومي الذي تضاعف في أقل من ثلاث سنوات، يلزم أن يكون كفيلا بحل كل مشكلاتنا الاقتصادية، لا أن تتفاقم تلك المشكلات ويتدنى سقف طموحاتنا التنموية وأهداف العدالة الاجتماعية التي نسعى إلى تحقيقها، كما يبدو من ضم ما يزيد على مليون مواطن خلال العام الماضي إلى قائمة المحتاجين لعون ومساعدة الدولة من خلال برنامج الضمان الاجتماعي، وأن يصبح غاية طموحنا القضاء على نصف حالات الجوع في زمن قياسي وقبل الموعد المحدد من قبل الأمم المتحدة متفوقين بذلك على دول فقيرة عديدة في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي