حكايا من البنوك السعودية
ما زال حديث الناس هذا الصيف ما تداولته الصحف ومقالات الرأي عن سوء أداء البنوك المحلية، ومنها ظاهرة بطء أجهزة الصرف وتلاعب البنوك بمحافظ عملائها الاستثمارية وقيامها بتنفيذ بيع وشراء من دون علم العميل، وما تلك إلا حكايتان من مئات. لا شك أن عدم معاقبة البنوك المتجاوزة وإجبارها على تعديل أنظمتها الرقابية متى ما وجدت فيها ثغرات تسهل (التلاعب) بحسابات عملائها. كلنا على يقين أنه من المفروض أن تتحمل البنوك المسؤولية كاملة ولا بد لها من تصحيح أخطائها من دون أي رقابة خارجية عليها. لقد تألقت البنوك السعودية في عام 2005م لأنها كانت من أكثر المستفيدين من نمو سوق الأسهم، حيث استأثرت بلا منازع بدور الوساطة، فحققت أرباحاً خيالية كان بإمكانها استثمارها لتصحيح أخطائها المتكررة.
لقد وافق مجلس الوزراء بتاريخ 12 ربيع الآخر 1425هـ على طلب عدة بنوك أجنبية الحصول على ترخيص لفتح فروع لها في المملكة لمزاولة الأعمال المصرفية وفقاً للنظم واللوائح المعمول بها في المملكة. هذه البنوك هي بنك (دويتشه) الألماني، وبنك (بي إن بي باريبا) الفرنسي، وبنك (جي بي مورقان تشيز) الأمريكي. ومع ذلك ما زالت هناك ظاهرة عدم التنافسية. كنا نعتقد أن دخول البنوك الأجنبية ـ التي من المفروض أنها سوف تصب في مصلحة الاقتصاد العام للمملكة ـ أن تشهد بنوكنا الوطنية أو المشتركة بعض التطور. ولكن مازال المواطن يعاني من عدة مشاكل ومن أهمها الخلل المتكرر الذي يصيب النظام الإلكتروني للبنوك المحلية خلال البيع والشراء مما يسبب خسائر كبيرة. وهنا تنطبق صفة "المرمشة" بفتح الميمين وهي نهش ما على العظام من اللحم، أو نهش ما على أي شيء من أي شيء، وكالعادة تتبادل عدة جهات التهم عن أسباب هذا الخلل، والخاسر الوحيد طبعاً هو المواطن.
الأسبوع الماضي تعدت مخالفات بعض العاملين في القطاع المالي الخطوط الحمراء، حيث أصدرت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية قرارا نهائيا بإدانة اثنين من المتعاملين بالأسهم مع وسيطي تداول من بنك رئيسي في المملكة لمخالفتهم نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية. وتمت إدانة أحد المواطنين بمخالفة نظام السوق المالية أثناء تعامله في أسهم شركتين وتم إيقاع العقوبات الآتية عليه: إلزامه بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفات البالغة أكثر من ستة ملايين ريال، فرض غرامة مالية عليه قدرها 150 ألف ريال، ومنعه من العمل لمدة ثلاث سنوات في الشركات التي تتداول أسهمها في السوق. الجانب الإيجابي أن مدير عام البنك المعني أكد أن قرارات الهيئة تصب في مصلحة السوق والمتعاملين فيها وتحافظ على العدالة والمصداقية، وقال إن البنك ملتزم بقرارات اللجنة وأحكام هيئة السوق المالية والأخطاء. طبعاً وكالعادة أيضاً تم تبادل التهم فقرر البنك أن التجاوزات حدثت من الوسطاء وليست من البنك. أما الطرف المتهم بالتجاوزات فقد وصف قرار الهيئة بأنه تشهيري وقال إنه اعترف بالخطأ، حيث أدخل أوامر شراء ثم سحبها، وحصل على وعد من الهيئة بعدم التشهير في حالة دفع الغرامة التي دفعها قبل شهر بشيكات مصدقة لكنه فوجئ بالتشهير باسمه في البيان. هل فعلاً المال السايب يعلم على السرقة أم أن "كل حبة مسوسة لها كيال أعور؟ أين الحقيقة؟
من حكايا "مرقعة" البنوك الأخرى "الموسمية" أو الضغط الهائل على أجهزة الصرف الآلي ATM التي لا تتعدى أربعة آلاف جهاز في بلد تزيد مساحته على عدة دول أوروبية. وتعلل البنوك تلك الظاهرة بأن التجار يرحلون الموازنة في نهاية الشهر أو الأعياد وغيرها. ومرة أخرى تتبادل عدة جهات معنية الاتهامات عن بطء وأعطال هذه الأجهزة المتكررة، وبطبيعة الحال الخاسر الوحيد هو أيضاً المواطن وقد أصابه شيء من الشك في العامل مع أجهزة الصرف كمن قال "اللي قرصه الثعبان يخاف من الحبل." طالما أننا نحصد الجوائز العالمية الكبرى في مجال الأعمال والمال عن أداء بنوكنا وصناديقنا الاستثمارية مما يعني أن منتجات الاستثمار في البنوك السعودية هي من أفضل المعايير المعمول بها عالمياً، فلماذا تظل حكايا البنوك هي الشغل الشاغل للناس في مجالسهم الخاصة والعامة أم أن "البيض الفاسد يتدحرج على بعضه"؟