أحياء جنوب الرياض وحوار الشمال - الجنوب

فأحياء جنوب الرياض وخاصة الجزء الجنوبي الغربي  وهو حاضرة كبيرة وكثافة سكانية تقدر بأكبر من نصف عدد سكان المدينة أو مدينة داخل المدينة. ويحظى بمعدل تزايد سكاني كبير لم يصبها نصيبها من التخطيط الجيد. فهي أولا معزولة عن شمال أو جميع أجزاء المدينة ولا يربطها إلا شريان واحد ومريض بالسكتة أو الجلطة القلبية وهو طريق الملك فهد أو الطريق الدائري. وتعاني من خنقها بالاستعمالات الصناعية، المستودعات، ورش، مكب النفايات، ينابيع الصرف الصحي المؤذية، ومصنع الأسمنت. وهي أحياء تفتقد الطرق الواسعة والفسيحة المنسقة بالنخيل والأشجار والطرق السريعة وقليل من الأرصفة وممرات المشاة. إضافة إلى أن تخطيط أراضيها السكنية يتصف بالكثافة السكانية العالية وضيق الطرقات وعدم وجود الحدائق والساحات الواسعة أو الفراغات العمرانية كمتنفس لها. وذلك بعكس أحياء شمال المدينة. لذلك فإن تلك الكثافات السكانية تعاني أحياؤها من الازدحامات المرورية والاختناقات والتلوث والتشويه العمراني. وقد يكون سوء التخطيط لتلك الأحياء قد ساعد على تشجيع ظهور بعض الممارسات السيئة. إضافة إلى ذلك فإن عدم الاهتمام بها في الفترة الماضية أدى إلى تدهور أو انخفاض أسعار الأراضي في فترة، مما ساعد على جذب بعض ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون المساعدة على الرفع من مستوى المنطقة، بل يساعدون على زيادة المشكلات العمرانية والاجتماعية. إذاً فالتخطيط السيئ أدى إلى حالة ميؤس منها ولا بد من بذل مجهود كبير من قبل الدولة والمسؤولين لمعالجة تلك المشكلات التخطيطية ومحاولة خلخلة تلك الأحياء لإعادة تخطيط بعض أحياءها السيئة على مراحل زمنية مجدولة لكل خمس أو عشر سنوات لحين الوصول إلى التخطيط العمراني الجيد لها، مع الاهتمام بتوفير الخدمات البلدية والتحتية إضافة إلى تجميل وتحسين الطرق الكبرى ورصفها بمستوى مماثل لأحياء شمال المدينة.
وتبعيات تلك الظاهرة التخطيطية مزعجة تماما سواء لسكان جنوب الرياض أو لطموحات القطاع الخاص لتطوير تلك المنطقة والرفع من مستواها. حيث يعاني بعض أصحاب المخططات الحديثة في جنوب الرياض من عدم تقبل المستثمرين أو مسؤولي القطاع الحكومي الإقدام على توفير بعض الخدمات الصحية أو التعليمية بسبب عدم تقبل بعض المستثمرين مواقع في جنوب الرياض. فعلى سبيل المثال تمتنع بعض البنوك عن تقديم قروض لتطوير أي مخططات في جنوب الرياض وتفضل أن تقرض لأي مستثمر في الشمال. لدرجة أن بعض المطورين يتمنون أن يمنحوا مجانا بعض القطع في مخططاتهم لمن يريد الاستثمار في بناء مستشفيات وعن طريق وزارة الصحة. إلا أن الوزارة تفاجأ بأن الطلبات أو المستثمرين يفضلون مواقع في شمال المدينة ويرفضون الجنوب. وعلى ذلك السياق تسير أمور هروب معظم جميع الخدمات الأخرى.
قد يكون من المعروف دوليا وفي كثير من مدن العالم أن هذه الظاهرة موجودة وقد أشرت في مقالات سابقة إلى أن هذه الظاهرة موجودة في معظم مدن العالم فالشمال والشمال الغربي هما عادة أرغب وأغلى الأحياء. وحتى على مستوى مواقع الدول في العالم فأمريكا الشمالية تعد أكثر غنى وثراء في أحياءها عن أمريكا الجنوبية. فهل هناك علميا ما يثبت ذلك، وأننا مهما حاولنا الرفع من مستوى تخطيط الجنوب فإنه حتما سيبقى مثلما بقيت عليه مدن الدول الأخرى. أم أنه في أيدينا أن نغير التاريخ وأن نصنع مثالا ناجحا ومختلفا تماما.
الحلول التخطيطية الواضحة هي أن هناك مشكلة في الوصول إلى الجنوب وقد سبق أن أشرت إلى ذلك في مواضيع لها علاقة بالموضوع مثل استمرارية طريق صلبوخ جنوبا فهو استثمار ينقذ جنوب الرياض ويخفف الضغط عن طريق الملك فهد. وتوفير طرق سريعة راسية (شمالا - جنوبا). حيث إن الجنوب أصبح معزول ولم يتم توفير وتشجيع حرية وسهولة الوصول إليه Accessibility وهي أكبر العوائق والمنفرات التي يعاني منها سكان الجنوب أو الزائرون لهم من الجهات الأخرى. ولا يوجد إلا هذا الشريان الرأسي اليتيم وهو طريق الملك فهد الذي يكتظ في أوقات الذروة بالازدحامات المرورية وإذا نجا منها القادم فإنه يرمى في طرقات أضيق وأزحم. أما الطريق الآخر وهو البطحاء فهو حاليا غير كاف إلا إذا تم نزع ملكيات على جانبيه وخصص خط سريع بمخارج متباعدة لكل حي. فهو حالياَ غير مشجع تماماً. لذلك فإنه لا بد من التفكير في بدائل جادة لتوفير وتشجيع حرية وسهولة الوصول. وأهم هذه البدائل هو دراسة جدوى امتداد طريق صلبوخ (طريق الملك خالد) ليمتد جنوبا من نقطة انتهائه حاليا مع طريق مكة بحيث يمتد إلى الطريق الدائري الجنوبي وإذا أمكن أن يتعداه جنوبا إلى عريض ليتصل بالخط الدائري الجنوبي الثاني المقترح. وكذلك امتداد طريقي البطحاء والملك عبد العزيز وطارق بن زياد وتوسعته إلى الغرب. وأنا على يقين أن هناك الكثير من المستثمرين العقاريين الذين يتلهفون لتبني هذه الفكرة وعلى غرار مشاريع مكة المكرمة .. فمهما كانت التكلفة الحالية مرتفعة بسبب نزع الملكيات والتنفيذ فإن فائدتها وما ستعود عليه للمجتمع مستقبليا أكبر بكثير. ويكفينا نجاح تجربة نزع ملكيات طريق الملك فهد التي تعد تكلفتها اليوم جدا صغيرة مقارنة بما قدمه من فائدة. كما أن التكلفة ستخفف الضغط الحالي على طريق الملك فهد وستوفر الملايين مما ينفقه سكان جنوب الرياض من الوقود والتلف لسياراتهم أو ضياع وقتهم الثمين لساعات في ازدحامات طريق الملك فهد. على أن يتم نزع حرم للطريق أكبر من العرض المطلوب له. وبذلك يصبح الجزء المتبقي مغريا استثماريا لأنه سيقع على جهتي الطريق الجديد وسيكون سعر المتر والعائد على المطور مضاعف عدة مرات.
 كما أن هناك حلولا وقتية حاليا لحل أزمة الوصول إلى جنوب الرياض تتمثل في تغيير المسارات بين الشمال والجنوب  والشرق والغرب ذات الاتجاهين إلى مسار واحد وإلغاء بعض الأرصفة الوسطية والجانبية، وإذا أمكن استحداث وسائل حديثة للحركة مثل القطارات العلوية أو تحت الأرض.
إن مدينة الرياض بحاجة إلى وجود تنسيق بين الجنوب والشمال، خاصة أنهما يحتويان على أهم مركزين للمدينة وليس بينهما رابط. الأول: هو مركز المدينة في الجنوب المركز المدني Civic Center وهو منطقة قصر الحكم والإمارة والأمانة والمحاكم. والثاني مركز المدينة في الشمال متمثل في منطقة العليا وطريق الملك فهد والعصب التجاري وهو مركز ناطحات السحاب ومراكز البنوك واستثماراتها والأسواق التجارية والمكاتبBusiness Center. وكلاهما بحاجة إلى مزيد من  الطرق السريعة والتخطيط المروري، إضافة إلى التصميم العمراني والترفيهي.  وهما مركزان متنافسان وإن كان الثاني هو امتداد لمنطقة البطحاء القديمة إلى بطحاء حديثة. وهذا يوضح عدم تنسيق أو تخطيط مسبق بين السياسات التخطيطية. أو أن هناك سياستين تخطيطيتين مختلفتين تعملان في وقت واحد وباتجاهين مختلفين تخطيطياً.
 ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن تكون هناك مساواة عادلة في سياسات النقل والنطاق العمراني ينبغي العمل على المواءمة بينهما ومحاولة الربط بينهما بشبكة نقل مرنة ومتميزة لتوحيدهما في مركز حضري واحد يشتمل على الحديث والقديم، التراثي والحضاري. وأن يكون هناك طريق دائري في وسط المدينة لمرونة الحركة حولها بين الشمال والجنوب. أو أن يتم ربطها بقطارات دائرية خفيفة وتحديد نوعية الأنشطة التي يجب تركيزها وتشجيعها في كل جزء وربطه بالمركز سواء المدني أو التجاري وبحيث لا يكون هناك تناقض أو تضارب بين نمط وتخصصات كل مركز ولكي نضمن لكل مركز حقه وخاصيته وطابعه العمراني وتجانس أنشطته ووظائفه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي