البنوك وضياع بركة الراتب
ليس هناك مجال للمقارنة بين الزمن الذي كان الموظف فيه يتسلم راتبه الشهري من محاسب المؤسسة التي يعمل فيها نقدا وبين زمن تحويل الرواتب إلى الحسابات في البنوك. لقد كان في الراتب بركة وخير كثير، فقد كان الحصول على الكثير من الأساسيات أمرا سهلا ميسرا لجميع الموظفين. أما بعد أن تم تحويل الرواتب إلى الحسابات في البنوك، فقد الراتب بركته وعز على الموظف الوفاء بالكثير من الالتزامات الأساسية لمعيشة أسرته. رغم أنني أعلم جيدا أن هذا الأمر هو توظيف للتقنيات واستخدام أمثل لها.
فالقصد من وراء ضياع بركة الراتب هو الديون المتراكمة على الموظف والتي يقتطعها البنك شهريا قبل أن يراها الموظف ولسنوات طويلة. في كل مكان في العالم هناك خدمة للمجتمع تقدمها البنوك والشركات الكبرى، وتتنوع هذه الخدمة الاجتماعية ونسبتها من رأس المال، ولكنها تصب في مصلحة المجتمع وتطويره ومكافحة الأضرار التي تهدده. أما بنوكنا، للأسف الشديد، ورغم النعيم الذي ترتع فيه، فهي بعيدة كل البعد عن ذلك، بل إنها لعبت دورا لا بأس به في تفقير المواطن وتراكم الديون لسنوات طويلة، قد يتقاعد ولم يتم الانتهاء من تسديد أقساطها.
أعلم جيدا أن البنوك تعمل وفق ضوابط وقوانين "ولم تضرب أحدا على يده ليقترض"، ولكنها لعبت دورا كبيرا مباشرا وغير مباشر فيما وصل إليه غالبية الشعب من اقتطاع ثلث الراتب كأقساط شهرية لحساب البنك وذلك لسنوات طويلة.
فكيف أسهمت البنوك في تحويل معظم الشعب السعودي إلى مدين لها؟
ألم تكن البنوك السبب الرئيسي وراء "لعبة الأسهم" وسهلت القروض وبالغت في ذلك؟
ألم تكن البنوك هي اللاعب الرئيس في ارتفاع الأسهم وتداولها؟
ألم تكن البنوك هي من يعلق أوامر البيع والشراء للكثير من المتداولين في الأسهم وتتسبب في خسائرهم؟
ألم تمتلك البنوك صناديق استثمارية تضارب في الأسهم ولديها القدرة على رفع وخفض السهم؟
ألم تكن البنوك على اطلاع كامل بمجريات السوق وأسراره؟
ألم تكن البنوك منشارا يأكل في الاقتراض، البيع، الشراء، وكذلك في تداول الأسهم؟
ألم وآلام كثيرة تسببت فيها البنوك وتضرر منها المواطن والمجتمع، وبدأنا نشاهد أسرا وصل بها سوء الحال إلى فقدان كل ما كرم الله به الإنسان.
لن أتحدث عن سنوات النعيم والأرباح الخيالية التي حققتها وتحققها البنوك دون المساهمة في تنمية المجتمع، ولو بتقديم منحة دراسية أو نشاط توعوي.
لكنني سأتساءل ما إذا كان هناك أمل في تحمل البنوك بعضا من واجبها تجاه الوطن والمواطن والتنازل عن بعض "ديونها" التي أثقلت كاهل غالبية الشعب السعودي، والبنوك تعرف جيدا نسبة هؤلاء المواطنين وكم هي مرتفعة.
فهل نرى للبنوك دورا في وقف تدهور ظاهرة " الإفقار" التي لحقت بالكثيرين، وبدأت بعض علاماتها وآثارها بالظهور جراء دخولهم عالم الأسهم، الذي استحوذت فيه البنوك على الدور الأكبر والأهم في دخولهم هذا العالم وألحقت بهم الخسائر الفادحة جراء المضاربة في الصناديق الاستثمارية، القوة الشرائية التي تتمتع بها، المعلومات ومجريات الأحداث، إضافة إلى الوسائل الاحترافية والقدرات التي تمتلكها مقارنة بالأفراد؟
وهل ستقوم البنوك بشطب ديونها، أو نسبة معينة منها، أم ستجد نفسها مجبرة أمام هذا الخيار عندما لا يتمكن البعض من الوفاء بأقساطها الشهرية؟
لا آمل كثيرا في ذلك، ولكنني أتوقع ارتفاع نسبة ما يسمى " بالديون المعدومة" وزيادة عدد الأسر والأشخاص الذين وقعوا ضحايا ظاهرة الأسهم والمغامرة بها، وهذا هو جل ما أخشاه، حيث سيكون له مردود سلبي للغاية على المجتمع وقيمه.
والله من وراء القصد،،،،