تحرير سوق العمل أجدى لتوطين الوظائف

إن ما تقوم به وزارة العمل من مجهود في مجال توطين الوظائف لا يمكن تجاهله ويستحق الإشادة والمؤازرة من كل المختصين والمهتمين بهذا الشأن، ولكن للأسف أصبح العمل على تحقيق هذا الهدف يمر بمرحلة تباطؤ لا يتحملها الواقفون في طابور طلب التوظيف، وبات الأمر ملحا لأن تعيد الوزارة النظر في سياستها الحالية، فبدلا من سياسة المقايضة التي تدفع القطاع الخاص دفعا ليقبل بتوطين جزء من وظائفه وهو مجبر على ذلك - فقط لكي يحصل على حاجته من تأشيرات العمل - لماذا لا تستبدلها بسياسة تحرير سوق العمل لكي تجعل القطاع الخاص يُقبل على توطين الوظائف لا لأنه مجبر ولكن لأنه يحقق مصالحه وبالتالي لن يلجأ للاستقدام إلا من باب الحاجة الملحة وليس لأنها أقل تكلفة.
من المعلوم أن أي مستثمر عندما يقدم على إنشاء أي مشروع سيراعي عامل التكاليف في كل خطوة يخطوها، فهو يبحث عن الأرض الصناعية والطاقة الكهربائية بالأسعار الرمزية ويطالب بالإعفاءات الجمركية والقروض من الدولة أي أنه يسعى لتأمين كل سبل النجاح للمشروع، وبالتالي لن يختلف أسلوب المستثمر عما سبق عندما يتعلق الأمر بتأمين العمالة التي سيتم توظيفها، لذلك لن تستطيع وزارة العمل أن تقنع المستثمرين بأن يرحبوا بتوظيف العمالة الوطنية بأجور عادلة تتناسب مع مستوى المعيشة إذا استمر سوق العمل لا يعمل بطريقة سليمة يحدد فيها قيمة الوظيفة بالآلية نفسها التي تحدد فيها بقية الأسواق قيمة السلع، وهذا لن يحدث طالما أن لدى المستثمرين الخيار في أن يستقدموا عمالة رخيصة لا تملك الفكاك بسهولة من هيمنة نظام الكفيل، وإن كنا كمجتمع نطالب المستثمرين بأن يقوموا طواعية برد جزء من الدين الذي ترتب عليهم، أولا بصفتهم مواطنين وثانيا لأنهم مستثمرون قدمت لهم الدولة كل هذه التسهيلات.
لقد سبق وأن كتبت مقالين نشرا في صحيفة "الاقتصادية" في شهري تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) من عام 2008 عنونت لهما بـ " نظام الكفالة والخلل في عدالة الأجور" و"لماذا لا يعمل سوق العمل بآلية سوق السلع نفسها؟" تطرقت فيهما إلى العوامل التي تحول دون أن يعمل سوق العمل بصورة طبيعية لكي تحصل الوظيفة على الأجر العادل الذي يتناسب مع مستوى المعيشة، وفي هذا المقال أعود وأركز على أهم عامل يجعل سوق العمل لا يعمل وفق آلية قانون العرض والطلب كما تعمل بقية الأسواق وأثر ذلك في توطين الوظائف، وهذا العامل هو نظام الكفيل فهو بحاجة إلى تعديل لكي يصبح العامل غير المواطن قادرا على الانتقال للعمل في أي شركة أو مؤسسة من دون الحاجة إلى أخذ موافقة الكفيل طالما أنه أكمل مدة العقد.
ولتوضيح علاقة نظام الكفيل بعافية سوق العمل وأثر ذلك في توطين الوظائف أقول إن العامل غير المواطن كان وما زال منافسا شديدا للعامل المواطن في سوق العمل، فالكثير منهم يقبل العمل بأجور متدنية في أول الأمر رغبة في التوظيف ، لكن ما يجعله يستمر بقبول الأجر المنخفض بعد ذلك حتى وإن وجد أجرا أفضل هو صعوبة نقل كفالته إلى صاحب العمل الجديد لأنه لن يحصل على موافقة الكفيل الحالي - التي يشترطها نظام الكفيل - إما خوفا من ضياع الأحقية بتأشيرة عمل بديلة أو بسبب الرغبة في الاحتفاظ بخدمات العامل دون منحة الأجر المعروض في سوق العمل، فتصبح السوق عرجاء لا تعمل بصورة سليمة فهي تعرض أجرا منافسا لكن نظام الكفيل لا يسمح للعامل غير المواطن بالاستفادة من تلك العروض، وبالنتيجة من يملك هذا الخيار وأعني به العامل المواطن يتضرر بطريقة غير مباشرة لأن العامل غير المواطن يستمر في قبول الأجر المنخفض وبالتالي لن تتاح للمواطن فرصة التوظيف إلا إذا أصبح يجاري منافسه بقبول مستوى الأجور نفسها، ولو أن حرية الخيار كانت مكفولة للعامل غير المواطن لاضطر صاحب العمل لتقديم الأجر المناسب الذي يحدده سوق العمل حتى لا يخسر خدمات العامل، وعندها تنطلق السوق ليحصل أي عامل على الأجر الذي تستحقه الوظيفة فتجعل القطاع الخاص يعيد النظر في قرارات المفاضلة بين تشغيل المواطن واستقدام العمالة من منطلق أيهما أجدى من حيث التكلفة والتي بالتأكيد ستكون في صالح المواطن لأنه على الدوام متواجد في سوق العمل ولا يتطلب الحصول عليه الكثير من الوقت والمال كما هو عليه الحال بالنسبة للعامل غير المواطن، عندها لن تحتاج وزارة العمل إلى سياسة المقايضة التي تدفع القطاع الخاص دفعا ليقبل بتوطين جزء من وظائفه بل لأن التوطين يحقق مصالحه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي