هل تدرك وزارة العمل ما تعنيه السعودة؟!

يخطئ من يعتقد أن المقصود بالسعودة هو مجرد حل مشكلة البطالة، وأن مهمة وزارة العمل تنتهي عند التحاق شاب يبحث عن عمل بوظيفة قد لا يتعدى راتبها 1500 ريال، وإن هو لم يستمر في هذه الوظيفة المتدنية الأجر، فهذا دليل على افتقاره لأي رغبة حقيقية في العمل في القطاع الخاص، وأن رغبته الوحيدة هي الحصول على وظيفة حكومية، بالتالي لا لوم على القطاع الخاص في إصراره على توظيف العمالة الأجنبية، ووزارة العمل يجب ألا تقف عائقاً أمام مساهمة هذا القطاع في عملية التنمية، من ثم عليها فتح الباب على مصراعيه للاستقدام طالما أن العمالة المواطنة لا تملك الرغبة أو الجدية التي يتطلبهما العمل في القطاع الخاص. أيضاً، وفق هذه النظرة السطحية لعملية السعودة، فإن وزارة العمل غير مسؤولة عن أي شاب لا يقبل العمل بالأجر السائد ويفضل البقاء في بيته على أن يعمل بأجر زهيد، كما أنها ليست معنية ولا مسؤولة عن الملايين من بنات الوطن اللاتي تفانين في الحصول على أعلى تعليم ممكن ويفضلن الآن البقاء في بيوتهن على القبول بالأجر السائد شديد التدني. فهؤلاء جميعاً ليسوا عاطلين عن العمل، بالتالي لا يمثلون مشكلة بالنسبة إلى وزارة العمل وليست معنية بوضعهم، فهم لا يدخلون ضمن إحصاءات البطالة وفق تعريفها التقليدي، الذي يقصر تعريف العاطل عن العمل على الشخص الذي يقبل بالأجر السائد ويبحث عن عمل بهذا الأجر ولا يجده، أما من فقد كل أمل في الحصول على وظيفة بأجر مناسب وتوقف عن البحث فلا يعتبر عاطلاً عن العمل، ولا يخفى على عاقل أن هذا تعريف جائر لا ينطبق مطلقا على واقع سوق العمل في المملكة، وأي تقديرات لمعدلات البطالة - وفقاً له بعيدة - عن الواقع بشكل مهول.
هذه النظرة القاصرة لمفهوم السعودة تؤكد حاجتنا إلى استيعاب أوسع وأعمق لها بحيث يتعدى مجرد السعي إلى الحد من معدلات البطالة إلى تحقيق اعتماد أكبر على العمالة السعودية في سوق العمل في المملكة، وفق برنامج يستهدف الاستغناء قدر الإمكان عن العمالة الأجنبية خلال السنوات المقبلة. فليس من المقبول أن تستمر العمالة الأجنبية مشكلة ما يزيد على 70 في المائة من قوة العمل في المملكة، أو نحو 87 في المائة من العاملين في القطاع الخاص، كونه وضعا يحمل انعكاسات خطيرة على بلادنا حاضراً ومستقبلا. فهذه التقنية التي تحيط بنا من كل جانب والخدمات المعقدة التي نتمتع بها في جوانب حياتنا المختلفة ليست حقيقية، ويمكن أن نفقدها بالسرعة نفسها التي حصلنا عليها، طالما أن جل إن لم يكن كل من يجيدها ويملك أسرارها ويتدرب عليها عمالة أجنبية، ولن تبقى لنا هذه الخبرات والتقنيات وستذهب مع هذه العمالة عند مغادرتها إلى أوطانها، ولن يكون هناك أي قدر مقبول من التراكم في تلك الخبرات في بلادنا. وتوافر العمالة الأجنبية متدنية الأجر يلعب دورا أساسيا في تفشي الاتكالية وتدني مستوى الأداء بين أفراد مجتمعنا، فكل مواطن يجد أن وقته أثمن بكثير من الأجر الذي سيدفعه لعامل أجنبي لكي يقوم بعمله بدلاً منه، ما يعطي انطباعاً خاطئاً مبالغا فيه جداً عن حقيقة الحاجة إلى هذه العمالة في بلادنا، كما يولد حالة من الفراغ والتبلد بين أفراد المجتمع، تبدو جلية في انتشار الاستراحات والسهرات الليلية، مع كل ما يرتبط بذلك من مشكلات أمنية واجتماعية وأخلاقية بسبب الفراغ وعدم الانشغال الذي يعانيه قطاع واسع من أفراد المجتمع. وللعمالة الأجنبية تأثيرات سلبية في نسيجنا الاجتماعي والثقافي، ومعظمها تعيش في أحياء مقصورة عليها تنتشر فيها الجريمة المنظمة، وتحويلات هذه العمالة إلى بلدانها تمثل استنزافاً مستمراً لثروات البلاد يحد من مستويات دخول أفراد المجتمع وتراكم المدخرات، كما أن الوجود المكثف للعمالة الأجنبية يزيد من الطلب على الخدمات العامة ويجعلها تستفيد من شتى أنواع الدعم الحكومي ما يستنزف موارد البلاد وطاقاتها بمعدلات مبالغ فيها جدا.
من ثم فإن نظرتنا السطحية الساذجة لعملية السعودة لا تسمح ببذل جهود حقيقية لإنجاحها، وتجعلنا نتردد في القيام بأي تضحيات في سبيل ذلك، ومستعدين للتراجع عن أي خطوة أمام أبسط عائق يواجه تنفيذها، من ثم تظل قضية السعودة تدور في حلقة مفرغة دون أن يتحقق تقدم يذكر. وطالما أن وزارة العمل لا تملك الجرأة اللازمة للتعامل بحزم مع فشل جهود السعودة، فإن أقل ما يمكنها القيام به إلغاء نظام الكفيل وتضييق الاستقدام بأكبر قدر ممكن، ومن يصر على توظيف عمالة أجنبية سيجدها في سوق العمل المحلية، إنما عليه أن يدفع أجرها المستحق وفق معطيات سوق العمل السعودي وليس وفق معطيات سوق العمل في نيبال أو بنجلادش.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي