المنزل الاقتصادي .. حقيقة أم خيال؟
درجت العادة أن تشير أصابع الاتهام إلى تجار العقار وبعض مسؤولي الدولة ومسؤولي القطاع البنكي في ازدياد نسبة عجز المواطنين عن لتملك سكنهم الخاص وتزايدت حدة الاتهام شيئا فشيئا حتى أصبحت ظاهرة ضد تلك الأطراف.
ولكن المطلع على القطاع العقاري وتحديداً القطاع السكني يجد أن هناك طرفا آخر يحمل أكبر جزء من المسؤولية في عدم تملك أغلبية المواطنين السكن الخاص، وهذا الطرف هو المواطن نفسه, قد يستغرب الكثير من هذا الاتهام وقد يستاء البعض ولكن هذا هو الواقع.
دعوني أعزائي القراء أولاً أبين مدى علاقة هذا الأخير بتلك المعادلة وهي أن السكن الاقتصادي لن يكون صعب المنال خصوصاً مع توافر أراض سكنية بأسعار أقل من 400 ريال للمتر وتصل في بعض المخططات إلى 300 ريال للمتر المربع، كما أن تكلفة بناء المتر للسكن الاقتصادي لا تتجاوز 900 ريال، وبفرض بناء فيلا على مساحة أرض 220 مترا مربعا تكون تكلفة الأرض في حال سعر المتر 400 ريال لا تتجاوز 80,000 ريال وتكلفة بناء مسطحات 340 مترا مربعا عليها في حال كان سعر متر البناء 900 ريال يكون المجموع 306 آلاف ريال، أي يكون مجموع التكلفة للأرض والبناء 386 آلاف ريال وهذه قيمة مناسبة ومنطقية لإسكان عائلة مكونة من ثمانية أفراد ودخل عائلها ستة آلاف ريال شهرياً وهذا متوسط دخل معظم الشريحة التي تعاني عدم تملك سكن.
ولكن مع الأسف ومع خبرتي الطويلة مع المعانين من عدم تملك السكن تجد فيهم بعض الأمور المشتركة والخاطئة التي منعتهم من حصولهم على سكن ومنها:
* تجده يرغب في السكن في حي معين وقد يكون مرتفع القيمة ولا يريد أن يسكن في أي حي أقل منه مستوى.
* تجده غير منظم في شؤونه المالية ولا يحسن التخطيط المالي ولا الاقتصاد في مصروفاته إذ قد تجده يملك سيارة فارهة يسددها بالأقساط وعليه مبالغ مالية مقترضة من البنك وعليه التزامات أخرى غير مهمة تفوق نصف راتبه الشهري إن لم تكن أكثر ويفتقد ترتيب الأولويات في سدادها.
* تجد معظمهم لا يفكر في شراء أرض للسكن المستقبلي ولا يملك سياسة النظرة المستقبلية ولكن تجده يملك سيارة فارهة بقيمة تلك الأرض إن لم تكن أعلى منها قيمة.
* تجده يضع شروطاً صعبة للتصميم والتشطيب لا يقبل بأقل منها فيرفض بكل تشدد السكن في فيلا دبلكس أو شقة، لا يحسن معظمهم التكيف في منزل يلبي حاجتهم بشكل عملي، فتجد أنه يطلب منزلا 60 في المائة من مساحته مخصصة للضيافة وقد لا تستخدم إلا مرة واحدة في السنة وهذا سبب عدم قبوله بالشقة.
* تجد سجله الائتماني متعثرا أيضا بسبب عدم التزام وعدم تنظيم أموره المالية كما تجده كثير التنقل بين الوظائف لا يلبث أن يتسلم وظيفة حتى يتركها وبالتالي ليس له سجل ائتماني لدخل ثابت يعتمد عليه في سداد مديونية لشراء أرض أو منزل.
جميع ما تم ذكره أعلاه يرجع لسلوك اقتصادي خاطئ ينتهجه مع الأسف كثير من الشاب، حيث إنه بكل بساطة لا يعيش واقعه وغير مستعد لتقديم أي تنازل ويعتمد فقط على إما أن تقوم الدولة بتقديم منزل الأحلام له وإما أن تأتيه ضربة حظ توفر له السيولة التي يحتاج إليها لشراء منزل.
أذكر عزيزي القارئ أنني قرأت عن أزمة السكن التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1935 م وكانت بعد الأزمة الاقتصادية التي مرت بها أمريكا حيث كان أكثر من 70 في المائة من سكان أمريكا لا يملكونا سكنا خاص وتم حل تلك المعضلة بثلاث طرق:
* قبول جميع الأمريكيين بالسكن في أكواخ خشبية التي كانت أقل تكلفة بعد أن كانوا يرفضونها تماماً، علاوة على رداءة مستواها من الناحية الشكلية وعدم تحملها عوامل التعرية ولم يتشددوا في طلب السكن في المباني الخرسانية.
* قبولهم بالسكن في أحياء جديدة يصل بعدها عن مواقع عملهم إلى أكثر من ساعة قيادة.
* صدور حملة توعية بضرورة تنظيم الدخل ونشر سياسة الاقتصاد ونبذ البذخ الذي كان سائدا في ذلك الوقت.
* تقبل الأمريكيون سداد مديونية شراء منزل طويلة تصل إلى 20 سنة، الأمر الذي كان مرفوضاً في السابق.
لاحظ عزيزي القارئ جميع تلك العوامل التي كانت سبباً في حل أزمة السكن ووفرت سكنا لكل مواطن لم تتدخل فيها الحكومة أو لم يتم إجبار ملاك العقارات على خفض أقيام عقاراتهم، كما أنه لم يتم إجبار البنوك على إقراض المواطنين، بل بدأ الحل بحملة توعويه فقط.
وأختم بموقف طريف مربي شخصياً قبل أسابيع حيث زارني أحد الشباب في مكتبي عن طريق أحد الأصدقاء وطلب مني أن أبحث له عن منزل يتملكه فسألته عن مواصفات المنزل الذي يرغب في شرائه وفي أي حي فأجابني بعدد كبير من المواصفات لمنزل يقع في حي متوسط ومساحة لا تقل عن 400 متر مربع، كما يفضل أن يكون فيه مسبح، بادرته بالسؤال: كم دخلك الشهري (ظننت أنه سيذكر مبلغا كبيراً على تلك المواصفات) فأجب دخلي من راتبا وهو أربعة آلاف ريال، فقلت له: هل تملك دفعة أولى؟ فقال: لا، قلت: يا عزيزي مواصفات المنزل الذي ذكرت لي قد تصل قيمته إلى مليون ونصف مليون ريال وهو لا يناسب دخلك، واقترحت عليه أن يشتري شقة سكنية مناسبة خصوصاً لمثل سنه، فإذا به يشتاط غضباً وكأني أهنته وقال: أنا لا أسكن في شقة، وقام من أمامي غاضباً وغادر واتصل بصديقي الذي أرسله لي وقال له إن صديقك خالد لم يخدمني. بقي عزيزي القارئ أن أذكر أنه يملك سيارة ألمانية فاخرة طبعاً قيمتها لا تقل عن 250 ألف ريال ويسددها على أقساط تصل إلى أكثر من ثلاثة أرباع مرتبه شهرياً .
إذاً أقول لكل من لا يملك سكنا إن الحل أقرب لك مما تتخيل ويبدأ بك فسارع بتغيير سياستك الاقتصادية اليوم لمستقبل أكثر إشراقاً.