هذا هو الحل يا وزارة العمل

تعقيب وزارة العمل على مقاليَّ السابقين حول سوق العمل في المملكة والمنشور في "الاقتصادية" الأربعاء الماضي يعكس رحابة صدر الوزارة وتقبلها النقد الموضوعي وهو أمر مقدر لها وتشكر عليه، فهي لم تنبر للدفاع عن نفسها، وإنما ركزت في تعقيبها على أهمية المشكلة وضخامة التحدي الذي يواجه أي محاولة لإصلاح سوق العمل في المملكة، مؤيدة ما ذهبت إليه من أن أساس المشكلة هو التدني الشديد في تكلفة العمالة الأجنبية الذي يحد من قدرة العمالة الوطنية على المنافسة وليس عدم تأهيلها أو جدية رغبتها في العمل.
حل هذه الإشكالية لا يمكن أن يكون من خلال رفع تكلفة العمالة الأجنبية على صاحب العمل، فهذا الرفع، وحتى يكون له تأثير حقيقي في قوى سوق العمل، يجب أن يكون كبيراً جدا تتضاعف بموجبه رسوم التوظيف عشرات المرات، وهذا أمر غير ممكن، وسيواجه بمقاومة شرسة من قبل القطاع الخاص، بحيث نستطيع أن نجزم أن هذا لن يحدث مطلقا. الخيار الآخر لحل هذه الإشكالية، هو إلغاء نظام الكفيل وتضييق الاستقدام بحيث ترتفع تكلفة العمالة الأجنبية على صاحب العمل، إنما هذه المرة بسبب ارتفاع أجورها وليس بسبب ارتفاع تكاليف توظيفها، ما يحد من جاذبيتها ويزيد من فرص العمالة السعودية، هذا الحل أيضاً يبدو أنه غير وارد حاليا، فقد أعلنت وزارة العمل أخيراً أنها لا تفكر فيه في الوقت الحاضر، كما قد يكون لدى جهات أخرى في الدولة تحفظات عليه، بحيث يمكننا الجزم بأن القطاع الخاص سيتمكن من وأد أي مشروع من هذا النوع.
إذاً ما هو الحل لهذه الإشكالية المستعصية؟ فالوضع أخطر من أن نستسلم له، والفشل خيار غير مطروح كونه ينذر بكارثة وطنية. وقبل استعراض الحل الذي اقترحه أود أن أشير إلى أنني كتبت مقالاً في جريدة "الرياض" في نيسان (أبريل) 2001، أي عند إعلان إنشاء صندوق الموارد البشرية، كان عنوانه "صندوق الموارد البشرية ليس حلاً" أكدت فيه أن الصندوق بصيغته المقترحة لا يمكن أن يحقق أهدافه. وقد ثبت الآن أن هذا الرأي في محله تماماً، فالجميع يعرف أن الصندوق فشل في أن يسهم بأي شكل مقبول في حل مشكلة البطالة، بل إنه قد يكون قد أضر بهذا المشروع من خلال توفيره بيئة مناسبة للسعودة الوهمية الهادفة فقط إلى الحصول على تأشيرات جديدة، ولعل فشل برامجه يظهر جلياً من تضخم موارده الذي أصبح معه الآن واحداً من أكبر المستثمرين في سوق الأسهم السعودية. لذا فإنني عندما أقول إنني متأكد من أن ما أقترحه حل مناسب، فإنني أعي تماماً ما أقول، وفي ظل المساحة المحدودة المتاحة لي هنا فإني سأستعرض الفكرة باختصار، إلا أنني على أتم الاستعداد لمناقشتها واستعراضها بتفصيل أوسع وأعمق مع كل من يهمه ويعنيه هذا الأمر.
هذا الحل، الذي سبق لي طرحه في مقالين سابقين في "الاقتصادية"، توصلت إليه من خلال بحثي عن طريقة يتم بها تحقيق هدفين متناقضين يبدو الجمع بينهما أمراً مستحيلا، وما لم نجد وسيلة لتحقيق كليهما فلن تنجح السعودة مهما بذلنا من جهود، وأعني بذلك رفع أجور العمالة السعودية في القطاع الخاص دون أن يترتب على ذلك زيادة في تكاليف صاحب العمل. والحل الذي ينجح في تحقيق هذين الهدفين بامتياز هو استبدال صندوق الموارد البشرية بصندوق لتدوير رسوم العمالة الأجنبية يودع فيه جميع الرسوم المفروضة على توظيف العمالة الأجنبية حاليا، والتي تشمل رسوم الاستقدام، الإقامة، رخص العمل، رسم صندوق الموارد البشرية، نقل الكفالات، تأشيرات الخروج والعودة، وغيرها من رسوم، ليعاد تدوير هذه الرسوم إلى القطاع الخاص على شكل إعانة عن كل عامل سعودي بشرط تجاوز راتبه حداً معيناً، أقترح أن يكون أربعة آلاف ريال شهريا، وتتناقص هذه الإعانة تدريجياً مع ارتفاع راتب الموظف بحيث تتوقف تماماً إذا وصل راتب الموظف إلى حد معين، على سبيل المثال لنقل 12 ألف ريال. بالتالي فإن الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية في القطاع الخاص سيكون أربعة آلاف ريال شهريا، إلا أن صاحب العمل لن يتحمل فعليا إلا جزءاً من هذه التكلفة، باعتبار أنه سيحصل على إعانة عن كل موظف سعودي يعمل لديه، من خلال تدوير الموارد السنوية للصندوق إلى القطاع الخاص بحسب عدد السعوديين العاملين في هذا القطاع.
لنفرض الآن أن إجمالي رسوم العمالة الأجنبية المحصلة من قبل الدولة يبلغ حاليا 20 مليار ريال سنويا، ولنفرض أن عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص الذين تزيد رواتبهم على أربعة آلاف ريال وتقل عن 12 ألف ريال ارتفع بعد إطلاق هذا الصندوق إلى مليون موظف، بالمناسبة فإن إجمالي العاملين السعوديين في القطاع الخاص بلغ عام 2007 نحو 765 ألف موظف فقط. المبلغ المقترح تدويره لقطاع الأعمال نحصل عليه بقسمة إجمالي إيرادات صندوق تدوير رسوم العمالة الأجنبية السنوية على إجمالي عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص الذين تكون رواتبهم بين أربعة آلاف ريال و12 ألف ريال شهريا، إلا أن كون المبلغ المدور يتناقص مع ارتفاع راتب الموظف فإن الرقم المقسوم عليه سيكون في المتوسط أقل من العدد الإجمالي للعاملين، ولنفرض أنه 800 ألف، في هذه الحالة سيكون مبلغ التدوير في هذا المثال 25 ألف ريال سنويا (20 مليار ريال ÷ 800 ألف موظف تقريبا)، أو 2083 ريالا شهريا عن كل موظف سعودي، ما يعني أن صاحب العمل عندما يوظف سعودياً راتبه أربعة آلاف ريال لا يتحمل فعلاً إلا أقل من ألفي ريال، وهي تكلفة قد تقل في أحيان كثيرة عن تكلفة العامل الأجنبي.
ولا يخفى أن هذا الحد الأدنى المقترح للأجر في القطاع الخاص البالغ أربعة آلاف ريال شهريا يزيد في الواقع على مستويات الأجر لعدد كبير من وظائف القطاع الحكومي الذي يسعى كثير من الداخلين الجدد لسوق العمل إلى الحصول عليها بلهف شديد. كما أنه ومن خلال زيادات دورية محدودة في مختلف رسوم توظيف العمالة الأجنبية يمكن زيادة موارد الصندوق ما يساعد على المحافظة على معدلات الإعانة نفسها، حتى مع حدوث زيادة سريعة في عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص، بل حتى قد يكون من الممكن زيادة الإعانة وبالتالي رفع الحد الأدنى للأجر الذي تستحق بموجبه. وأنا على يقين تام بأن هذا الصندوق سيحقق نجاحاً باهراً لمشروع السعودة، بحيث إن القطاع الحكومي سيجد صعوبة في استقطاب المواطن للعمل في وظائف القطاع الحكومي متدنية الدخل، بحيث إنه وبدلاً من تنافس 270 ألف شاب على ثمانية آلاف وظيفة جندي قد لا يتقدم العدد الكافي لشغل كل تلك الوظائف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي