خلافات الشركاء في الشركات العائلية ..هل تجاهلها مشروع النظام الجديد؟

رغم أن نظام الشركات المعمول به في الوقت الراهن يُعد من أفضل الأنظمة التجارية السارية في المملكة ويمكن ملاحظة ذلك في خلال جودة الصياغة والتفصيل الدقيق لكنه فصل لبيئة تجارية أخرى لا تتوافق مع السائد لدينا اجتماعيا وماليا، فهو صنف الشركات على أساس مسؤولية الشريك عن ديون الشركة في أمواله الخاصة وهذا واضح في شركات التضامن والتوصية البسيطة وذات المسؤولية المحدودة، وعلى عدد الشركاء وحجم رأس المال وقابلية تداول السهم في الشركات المساهمة.
وهذا يعني أن النظام الحالي لم يعالج أو لم يلتفت إلى نوع مهم من الشركات تمثل مجتمعة عمود الاقتصاد الوطني وأعني بها الشركات العائلية التي تعودنا على تسميتها بهذا الاسم رغم أنه – أقصد الاسم - لا يمثل شكلا نظاميا يعترف به نظام الشركات الحالي، الذي ركز كما أسلفت على مسؤولية الشريك عن ديون الشركة وتجاوز متطلبات الشركات العائلية التي تحتاج إلى صيغة قانونية تحميها من التفكك أو الخلافات وتساعدها على النمو والاستمرار من جيل إلى آخر.
فالشركات العائلية تبدأ في العادة صغيرة وبين شركاء محدودين متوافقين ومتحابين لكن مع مرور الوقت وبعد ظهور الجيل الثاني من المؤسسين تبدأ الخلافات والصراعات على الإدارة وعلى الأموال وتكثر الاعتراضات وربما الشكاوى والقضايا وهناك أمثلة معروفة لمثل هذه الحالات،والمؤسف أن نظام الشركات الحالي لا يساعد على تجنب مثل تلك الإشكالات لكنه يسهم في ظهورها وفي بعض الحالات يدفع نحو تفكك واضمحلال الشركات التي تصنف عائلية.
وإذا نظرنا إلى ما تحتاج إليه الشركات العائلية حتى تبقى وتستمر من جيل إلى آخر فسنجد أنها تحتاج إلى آلية سهلة لانتقال الحصص بين الشركاء أو ورثتهم وآلية سهلة أخرى لمعالجة خروج أحد الشركاء وهذا يتطلب إجراءات تقييم عادلة لقيمة الشركة الحقيقية وأخيرا فهي تحتاج إلى آلية واضحة تعالج مشكلات الإدارة مع باقي الشركاء ممن هم خارجها.
كنت أعول على مشروع نظام الشركات الجديد لمعالجة هذا الموضوع المهم إلا أنني بعد أن أطلعت على مقتطفات منه بدا لي أن المشرع ركز على موضوع الإفصاح والشفافية ومتطلبات الحوكمة لكنه لم يهتم بموضوع الشركات العائلية بالشكل الذي كنت أطمح إليه وهذا أمر لا ينبغي تجاهله لأهميته في حماية اقتصادنا الوطني من تبعات تفكك الشركات العائلية بعد الجيل الأول أو الجيل الثاني على أبعد تقدير وما يمكن أن يجر ذلك إلى دعاوى قضائية وإجراءات تصفية تمتد إلى عشرات السنين تستهلك وقت الجهات المختصة ولا تعود بأي نفع للشركاء في تلك الشركات، وربما لا يعلم البعض أن هناك أصولا لبعض الشركات العائلية التي تتم تصفيتها حاليا فقدت معظم قيمتها السوقية بسبب التقادم وبعضها شجع الآخرين للسطو عليها لهذا السبب.
من المؤسف حقا أن يقرأ الواحد منا إعلانات تبين الخلافات بين الشركاء في الشركات العائلية التي لم تجد في نظام الشركات أي سند قانوني يعالجها ويمنع ظهورها على السطح بهذا الشكل المؤسف.
ومن المشكلات التي تتكرر في الشركات العائلية رغبة الذكور من الشركاء في ممارسة الإدارة ورغبتهم في نسب من الإرباح الصافية مقابل عملهم وهذا يولد خلافات بينهم من جهة وبين الشركاء الآخرين من جهة ثانية، كما أن مسحوبات بعض الشركاء المالية تعكر صفو العلاقات بينهم وربما تؤدي إلى خلافات تستمر سنوات طويلة.
الأكيد أن الشركات العائلية تمثل ركنا مهما من اقتصادنا الوطني والأكيد أن نظام الشركات الحالي لم يعالج المشكلات التي تعانيها كثير منها بسبب تركيزه على تصنيف الشركات بناء على مسؤولية الشريك عن ديون الشركة في أمواله الخاصة أم لا، لذا من المهم أن تبادر هيئة الخبراء إلى معالجة هذا الأمر قبل تمرير مشروع النظام الجديد كما أن من المهم عقد ورشة عمل يدعى لها المختصون لمناقشة مشروع النظام الجديد وخصوصا المحامين والقضاة في الدوائر التجارية لأنهم يعلمون ثغرات النظام الحالي وربما يملكون رؤية واضحة لما ينبغي أن يركز عليه النظام الجديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي