المشتقات المالية مخاطرة غير محسوبة

التقرير السنوي لهيئة السوق المالية ذكر أن الهيئة تدرس إمكانية إدخال المشتقات المالية إلى السوق المالية السعودية، ووزير المالية صرح أخيراً أن هناك خطة لإنشاء شركة عقارية على غرار شركة فني ماي الأمريكية لشراء القروض العقارية لتصدر بها سندات يتم تداولها في السوق المالية الثانوية. والسؤال الملح هنا هو هل نحن جاهزون لمثل هذه المشتقات؟ خاصة في ظل المخاطر الكبيرة التي يمكن أن يتعرض لها اقتصادنا الوطني إذا ما أسيء استخدام هذه الأدوات وهذا متوقع، وإذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن أحد أهم أسباب محدودية تأثرنا بالأزمة المالية العالمية هو غياب هذه المشتقات في سوقنا المالية، ما قد يجعل الوقت غير مناسب للتفكير في إدخالها لسوقنا المالية في خضم هذه الأزمة التي قد لا يكون الأسوأ منها قد انتهى رغم ما يبدو من تفاؤل على مستوى العالم بأن ذلك قد حدث فعلا.
فهيئة السوق المالية لم تستطع ضبط سلوكيات المتداولين في أوراق مالية تقليدية ولم تستطع حماية المتعاملين في السوق من ممارسات غير مشروعة وسمحت بأن تدرج شركات بعلاوات إصدار متضخمة جدا تمكن مالكها من بيع 30 في المائة من أسهم شركاتهم بأضعاف قيمتها الحقيقية، لن تكون قادرة ولا مؤهلة لأن تدير أوراقا أشد تعقيداً وأخطر على المستثمرين كالمشتقات المالية. فماذا عساها أن تفعل عندما يقوم متحايل بتوقيع عقد خيار بيع أسهم شركة معينة بعشرات أو مئات الملايين من الريالات ثم يتلاعب بسعر سهم هذه الشركة ويضغطه إلى ما دون السعر المتفق عليه في عقد الخيار ثم يطالب بتنفيذ العقد محققا عشرات إن لم يكن مئات الملايين بطريقة احتيالية. أو عندما يحصل متلاعب على معلومات داخلية عن مشكلات مالية تعانيها شركة معينة فيقوم بتوقيع اتفاقية مبادلة عجز ائتماني CDS بعشرات أو مئات الملايين مراهناً على فشل تلك الشركة في الوفاء بالتزاماتها فيحقق من هذا الاحتيال مبالغ طائلة. وإن كانت إدارات الأسواق المالية التي حققت نجاحات واضحة في إدارتها للأوراق المالية التقليدية فشلت في وضع التشريعات ونظم الرقابة على المشتقات المالية ما يضمن عدم حدوث تلاعب أو تجاوزات، فكيف سيكون عليه حال هيئة لم تستطع حتى ضبط تداولات الأوراق المالية التقليدية؟!
أيضاً فإن إنشاء شركة لشراء القروض العقارية سوف يغري البنوك بإقراض أفراد لا يملكون الملاءة التي تؤهلهم لذلك، بسبب انعدام المخاطر على البنوك طالما أنها ستبيع تلك العقود لشركة التمويل العقاري، وكلنا يعرف أن هذا بالضبط هو سبب الأزمة المالية العالمية. فمن خلال قيام البنوك بإقراض متدني الملاءة، ثم بيع هذه القروض على شركتي فني ماي وفريدي ماك أو إصدار سندات بها وبيعها على المستثمرين في العالم، ظهرت أزمة الرهن العقاري وبالتالي أزمة المال العالمية. وإذا عرفنا كيف استغلت بنوكنا المحلية تخليص مؤسسة النقد لها من مخاطر الإقراض الشخصي بضمان تحويل راتب المقترض إليها فورطت معظم أفراد المجتمع في حمى اقتراض استهلاكي مبالغ فيه جداً، دون أدنى اعتبار لملاءة المقترض طالما أن راتبه سيحول عليها، فمن المؤكد أن هذه البنوك ستكرر العملية نفسها في عمليات الإقراض العقاري، وستأخذ مخاطر هائلة طالما أنها ستبيع هذه الديون لاحقاً لشركة التمويل العقاري وتتخلص منها، وستكتفي مؤسسة النقد بالفرجة على كل ذلك، تماما كما فعلت أمام كارثة القروض الشخصية. وإصدار شركة التمويل العقاري لسندات بهذه القروض يعني تورط شريحة واسعة من المستثمرين وتعريضهم لمخاطر كبيرة وخسائر فادحة إن حدث عجز كبير في سداد هذه القروض مستقبلاً، من ثم يجب ألا ينظر إليها على أنها مجرد فرصة لخلق سندات يتم تداولها في سوقنا المالية الثانوية.
أمر آخر مهم فيما يتعلق بالتمويل العقاري هو أن معظم أفراد الشريحة المستهدفة به متورطون بقروض شخصية خدمتها تستنزف ما يزيد على 30 في المائة من دخلهم الشهري، فعدد المقترضين من البنوك فقط يزيد حالياً على مليوني مقترض، وإحدى الدراسات أشارت إلى أن كل من يستطيع الاقتراض هو في الواقع مقترض بحيث إن ما يزيد على 95 في المائة من موظفي الدولة مقترضون. وإذا عرفنا أن معظمهم يضطر إلى إعادة تمويل قرضه من وقت لآخر، فإنه يتوقع أن يبقى معظمهم مديناً لهذه البنوك لسنوات عديدة قادمة، بالتالي من غير المعقول افتراض أن بإمكانهم تحمل خدمة قرض عقاري سيستحوذ على ما لا يقل عن 30 في المائة من دخلهم أيضا، ويعني أننا بحاجة إلى حلول أخرى للأزمة الإسكانية في ظل كون معظم المستهدفين في وضع لا يستطيعون معه الاقتراض أصلا، فالمشكلة أعمق وأشد من مجرد توافر جهة مستعدة للتمويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي