حساسية مصطلح "الأجنبي" لدى الإخوة العرب

كي يتمكن شخص ما من فهم المعنى الحقيقي لأي كلمة ينبغي له إدراك السياق الذي تأتي ضمنه والبيئة الاجتماعية والثقافية للمرددين لها، حتى وإن كان منهم، وبعبارة أخرى قد تفهم كلمة على نحو مغاير لدى بيئتين تنطقان ذات اللغة، من هنا فإن ربطها بالسائد من الإرث الثقافي والاجتماعي أمر لا يمكن تجاوزه إذا أردنا أن نفهم معناها الحقيقي والسياق الذي تأتي ضمنه.
فجملة (أعطاك الله العافية) جملة واضحة لكل من ينطق اللغة العربية لو أتت في سياق كلام رجل يعيش في فترة الخلافة الأموية على سبيل المثال, لكنها تختلف من حيث المعنى من بيئة إلى أخرى في وقتنا الحالي حتى وإن كانت جميع تلك البيئات عربية اللسان، ففي اللهجة الدراجة في مملكة المغرب يقصد بالعافية النار عكس ما يقصد بها لدينا في المملكة على سبيل المثال، وهكذا دواليك.
منذ سنوات وأنا أستشعر من بعض الإخوة العرب انزعاجهم من إطلاق كلمة أو مصطلح "أجنبي" عليهم وربما أنهم يشعرون بشيء من الضيق كلما حشروا مع الأجانب – غير العرب – عند إطلاق هذا المصطلح أو الكلمة للدلالة عليهم، وهم بلا شك إخوة في الدم والدين وينبغي ألا يسود مثل هذا الشعور في أوساطهم لأنه غير صحيح وإن كان لغويا يدل على ذلك.
تقول القاعدة الفقهية الشهيرة " الحكم على الشيء فرع من تصوره" وهذا ما ينبغي للإخوة العرب من المقيمين لدينا فهمه قبل الحكم على هذا المصطلح، فكما ذكرت سابقا لا بد من معرفة السياق الثقافي والاجتماعي للناطقين به أو المرددين له، وهذا ما سأحاول أن أوضحه فيما يلي من المقالة.
أتذكر والدي – رحمه الله – يأتي لوالدتي – متعها الله بالصحة والعافية - قبل نحو 30 عاما ليقول لها جهزي لنا الغداء أو العشاء أو الفطور ويضيف باللهجة الدراجة (عندنا أجانب أو أجناب) وقد يفهم من مصطلح (الأجناب) أن الضيوف من دول أوروبا أو شرق آسيا أو أمريكا لكنهم ليسوا سوى أصدقاء أو معارف حضروا من خارج المنطقة التي نعيش فيها, أي من منطقة أخرى قريبة مثل الرياض أو سدير أو القصيم على سبيل المثال، وهذا يدل على أن السياق الذي تعارف الناس عليه لدينا أن كلمة "الأجنبي" تقال للشخص الغريب عن أهله حتى وإن كان صديقا أو قريبا، وحتى لو كان سعوديا أو عربيا، فالمصطلح يطلق على كل من حضر إلى المكان الذي نعيش فيه ليقيم إقامة محدودة أو قصيرة مهما كان الغرض الذي أتى من أجله.
ويختلف لفظ كلمة "أجنبي" من منطقة لأخرى لكنها تعني المعنى نفسه فهناك من يقول أجانب أو أجناب كما ذكرت وهناك من يقول أجنبي أو جنبا أو جنب وربما أن هناك من يصرفها على نحو مغاير لما ذكرت.
أردت أن أقول إن كلمة "أجنبي" قد تعني في اللغة العربية الفصحى غير العربي لكنها تختلف في اللهجات الدارجة ومنها الدارجة لدينا لأنها تعني الرجل البعيد عن أهله مهما كان هذا الرجل قريبا أو صديقا أو عربيا أو غير عربي. لذا لا يستغرب بعد الذي ذكرته أن تأتي كلمة "أجنبي" في سياق خبر صحافي أو توجيه أو خطاب رسمي لأنها لا تعني مطلقا في الدارجة المحلية سلخ العرب من عروبتهم أو ضمهم لغير العرب بقدر ما تعني أنهم إخوة تغربوا عن أهلهم وتركوا بيوتهم وأملاكهم للعمل لدينا لفترة مؤقتة، فهم أجانب في الدارجة المحلية ومثلهم سعوديون أجانب كذلك، أي أن المصطلح لا يفرق بين سعودي أو عربي أو غير عربي فهم سواء متى ما جمعتهم صفة واحدة وهي التغرب عن الأهل والبيت.
أرجو أن تكون الصورة قد اتضحت لكل شقيق عربي يعيش بيننا وألا يعتب علينا من تكرار ذكر هذه الكلمة، كما أتمنى من زميلي صالح الشهوان وهو الضليع في اللغة العربية الفصحى والمهتم بالموروث الشعبي أن يتحفنا بمقالة عن هذا الموضوع بأسلوبه السلس الممتع كما عودنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي