الطاقات المهدرة

الكاتب القدير الأستاذ نجيب الزامل كتب مشكوراً في زاويته "بوضوح الشمس" في العدد (5010) من صحيفة "الاقتصادية" بتاريخ (30/6/2007م) عن نماذج من الكاتبات السعوديات، اللاتي تميزن في مجالات عديدة، وقد كان الشرف لي أن أكون واحدة منهن حيث أشار مشكوراً: وهناك الدكتورة هند مرزا، وهي أكاديمية تربوية وبالتالي فإنها تكتبُ بروح العلم، وروحُ العلم لا تعرف التحيز، ولا المنافحة العنصرية، ولا التضور من قسوة المجتمع أو الرجل، إلا فيما يكون نصحا عاما وهادئا وموجها ومدروساً موجها لرتق النسيج الكلي للمجتمع، وليس لشق فجوة أخرى".
هذه الكلمات كتبت عني في العام الأول من مسيرتي المتواضعة مع الكتابة في زاوية "هي في الميدان" واعتبرتها بمثابة ميثاق وسياسية عامة ألتزم بها في كل ما يسطره قلمي في هذه الزاوية. ومقالة اليوم لا تخرج عن هذا الإطار، على الرغم من خشيتي أن يسيء بعض القراء تفسيرها بعيداً عن هدفها المنشود.
منذ مدة قابلت شابة من بنات الوطن في مقتبل العمر، وحاصلة على الشهادة الجامعية، وكل طموحها أن تحصل على وظيفة تستثمر فيها تأهيلها العلمي وقدراتها الشخصية وبأي مرتب، تقول الشابة: "مشكلتي هي أن كل من أتقدم للعمل لديهم يشترطون علي موافقة ولي الأمر، ووالدي يرفض جميع الفرص الوظيفية التي أتقدم لها، وترك لي مساحة ضيقة جداً هي الموافقة على العمل في سلك التدريس، ومع علمي بأن التدريس مهنة تناسب الإناث في مجتمعنا، لكن بالطبع ليس كل الإناث، وأنا واحدة منهن، وحيث أن المفاوضات مع والدي لم تجد، ووصلت إلى طريق مسدود، فهذه السنة هي السنة الثالثة لي وأنا عاطلة، وأمضي كل وقتي في المنزل، في النوم، ومشاهدة التلفزيون، والتحدث بالهاتف، ومساعدة والدتي في بعض شؤون المنزل، وأنتظر الزواج بفارغ الصبر، بالفعل أشعر أن قدراتي بدأت تضمحل وتفكيري أخذ يضيق، ما الحل يا بنت بلدي؟
إن مناقشة قصة هذه الشابة، وأعتقد أن هناك الكثيرات أمثالها في جميع أرجاء الوطن، اللواتي تحطمت طموحاتهن نتيجة إصرار غالبية جهات العمل أو الجامعات إحضار موافقة خطية من ولي الأمر بالعمل أو الدراسة، وتعنت بعض أولياء الأمور وإصرارهم على أن تسلك بناتهن المسارات التعليمية والوظيفية التي يرونها مناسبة، حتى وإن تعارضت مع طموحات بناتهن. يأتي من منطلق أن من مسؤوليتنا جميعاً ألا نقف متفرجين، بل نساهم في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن عمل المرأة، وشرط موافقة ولي المرأة الذي لا يستند على أسس دينية أو عقلانية، فلقد تأخرنا كثيراً في مرحلة السؤال عن حقوق المرأة في العمل، وجواز عمل المرأة، بينما الإجابة لا تتطلب منا سوى القراءة المتعمقة في شريعتنا الغراء لندرك أن الإسلام كفل للمرأة حقها العمل والتعليم، وفي التملك والإنتاج وإدارة الأعمال والتصرف بأموالها باعتبارها كاملة الأهلية. "وقد أجاز الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقه الإسلامي في تصريح له في صحيفة الاقتصادية العدد ( 5648) بتاريخ (2009/3/2009م) للفتاة غير المتزوجة التي يمنعها ولي أمرها من العمل أن تلجأ إلى القاضي في هذه الحالة ليكون ولياً لأمرها حتى يسمح لها بالعمل قياساً بمبدأ عضل الفتاة التي يمنعها ولي أمرها من الزواج، ،،،،،،، ويضيف أيضاً أن الفتاة التي رغبت في العمل وكان العمل مفيداً لها وغير محرم شرعاً، فإن تغيير ولي أمرها في هذه الحالة من حقها".
كلمة أخيرة: قد يتساءل البعض عن حاجتنا إلى خروج بناتنا للعمل، والأيدي العاملة غير الوطنية تقدم لنا الخدمات، ورداً على ذلك أؤكد أننا نريد أن نصنع مستقبلنا بسواعد شاباتنا وشبابنا أسوة بعدد من الدول الإسلامية من حولنا، ونريد أن تستثمر كل طاقاتهم وقدراتهم، نريد كل رجل في مجتمعنا أن يفخر بأن في أسرته ابنة أو سيدة عاملة تخدم وطنها بسواعدها وفكرها أو بهما معاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي