ثقافة الجيب لا ثقافة العيب يا معالي الوزير

يحاول معالي وزير العمل مشكورا تشجيع الشباب على مزاولة مهن يعتقد أنها لا تحظى بقبولهم لأسباب اجتماعية تتعلق بثقافة العيب على نحو التحديد، فقد شاهدنا صوره وهو يعتمر قبعة الطاهي, وبعد ذلك وهو يمارس مهنة الطبخ، كما أنه في زياراته وحدات مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني يلبس زي المتدربين الأزرق، كما صرح بأن على الشباب أن يتجنبوا ثقافة العيب كي يحصلوا على وظائف ـ أو كما قال.
يمكنني الاتفاق مع الوزير فيما ذهب إليه في موضوع ثقافة العيب لو كانت تلك الوظائف والمهن تعرض على الشباب برواتب مجزية ولا تجد إقبالا منهم، لكنها تعرض عليهم برواتب زهيدة وبشروط عمل صعبة وبمستقبل وظيفي لا يمكن التنبؤ به وفي منشآت ترتفع فيها بشدة معدلات الفقد الوظيفي.
ولعلي أتساءل: لماذا لا تجرب وزارة العمل أن تعلن وظائف لا تحظى بقبول الشباب مثل الحلاقة والجزارة والطهي وبرواتب مجزية في منشآت حكومية على سبيل المثال؟ ففي هذه الحالة يمكن الجزم بأن مثل تلك المهن والوظائف لا تحظى بقبول الشباب بسبب عدم قبول المجتمع لها إذا لم يرغب أحد العمل فيها.
الأمر الآخر: لماذا نذهب لسعودة مهن لا توفر استقرارا وظيفيا لشاغلها ولا تحقق له عوائد مالية مقنعة ونترك مهنا يمكن أن تحقق رغباته مثل مهن قيادة سيارات الأجرة والوظائف الفنية المساعدة, وهي كثيرة ؟ لماذا لا تقوم الوزارة بتصنيف الوظائف التي يشغلها الأجانب من حيث عوائدها المالية لو شغلت بسعوديين؟ ومن ثم العمل على سعودتها، لماذا نذهب إلى سعودة محال الخضار ونترك المحال التجارية؟ لماذا نتوسع في فتح دكاكين تخدم العمالة الوافدة وتضيق على الشباب الراغب في العمل؟ لماذا لا تقنن أوقات العمل في النشاط التجاري والخدمي كي يمكن للسعودي منافسة الأجنبي؟ لماذا لا تجمع جميع الجهات المهتمة بتشجيع ودعم المنشآت الصغيرة ـ وهي كثيرة - تحت إشراف وزارة العمل وتنظم أعمالها بما يحقق الأهداف؟ وأخيرا لماذا لا يكون لوزارة العمل دور في التصريح للمشاريع الصغيرة التي تعتمد على العمالة الوافدة قبل افتتاحها وحتى قبل استئجار محالها؟
لا يمكن لسعودي أن يستقر في وظيفة راتبها 1500 ريال وحتى لو وصل إلى ثلاثة آلاف ريال، لأن هذا المبلغ لا يكفى لمعيشته فكيف بطموحاته أن يمتلك سيارة ويتزوج، من هنا فإن العيب ليس في المهن التي يمكن أن يمارسها الشباب العاطل ولكن في الراتب الذي يمكن أن يتقاضوه والاستقرار الوظيفي وفرص الترقي في المنشأة التي سيعملون فيها، وهذا هو أساس القضية التي تحظى ولا تزال باهتمام كبير منذ سنوات طويلة.
إن الفجوة بين رواتب العمالة الوافدة وطموحات العاطلين عن العمل كبيرة وينبغي ردمها حتى نتمكن من سعودة الوظائف، كما أن شروط العمل في القطاع الخاص ينبغي أن تحسن, فساعات العمل ينبغي أن توحد وتخفض عن حدها الأعلى البالغ 48 ساعة, والإجازة الأسبوعية ينبغي أن تكون يومين في الأسبوع بدلا من يوم واحد، وهذا ما قامت به إحدى الشركات ونجحت في خفض معدل الدوران الوظيفي بشكل كبير.
لا يمكن توظيف العاطلين عن العمل بجهود منفردة من هنا وهناك واجتهادات لا تحل المشكلة من أساسها، لأننا سندور في حلقة مفرغة كما كنا منذ سنوات، فالمطلوب من الوزارة أن تمسك بملف السعودة بكامله وأن تضع خطة استراتيجية دقيقة وشاملة وزمنية بعد أن تدرس الوضع الحالي من جميع جوانبه، كما ينبغي للوزارة ألا تستنكف عن سماع آراء المتابعين والمهتمين بل ينبغي لها أن تبادر إلى جمعهم ومناقشتهم والاستماع إليهم والرد على استفساراتهم وألا تستكثر عليهم الحل الذي عجزت الوزارة عنه طوال تلك السنوات، فالهدف واحد للجميع, وهو هدف وطني مهم تسعى الدولة إلى تحقيقه.
ولعلي هنا أناشد معالي الوزير الشاعر الأديب والإداري العتيق المبادرة بفتح حوار مع جميع المهتمين بعمل الوزارة من رجال الأعمال والكتاب والاقتصاديين ومراكز الدراسات وحتى علماء الاجتماع وغيرهم، لمناقشة كل الموضوعات المتعلقة بالسعودة والتأشيرات وغيرها، فالحكمة ضالة المؤمن وهي ليست حكرا على القياديين في الوزارة, خصوصا أن القضية مهمة على المستوى الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي