من أين تبدأ الشركة لتغيير ثقافتها نحو الأفضل؟
جميل أن نرى بعض الشركات المساهمة أو الحكومية قد أخذت تستخدم بعض المفاهيم الحديثة في الإدارة مستفيدة من تجربة من سبقها في الشركات العالمية , فقد باتت مواقعها الإلكترونية لا تخلو من مفاهيم حديثة مثل الرؤية والرسالة والقيم الخاصة بالشركة, وهذه المفاهيم غاية في الأهمية لأي منظمة فهي التي تسهم في تطوير ثقافتها السائدة في وسط العاملين وتميزها عن بقية المنظمات، كما أنها تخلق فكرا مشتركا يسهم في توحيد جهود الجميع نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.
ولكن من أين تبدأ الشركة لتغيير ثقافتها نحو الأفضل؟ وللإجابة عن ذلك نطرح التساؤلات التالية: هل تقوم كل شركة بمراجعة الرؤية والرسالة والقيم الخاصة بها للتأكد من أن نصوصها قد كتبت بلغة بسيطة وجمل قصيرة؟ ثم هل ما يعلن ويروج له من خلال هذه المفاهيم يمارس فعليا على الأرض؟ هذه التساؤلات يفترض أن تكون حاضرة دوما في تفكير إدارة الشركة إن كانت ترغب في التغيير حتى لا تصبح العملية مجرد شعارات خالية من أي مضمون , فاللغة البسيطة والتعبير بجمل قصيرة أصبحا ضرورة تعيها الإدارات التي تؤمن بقيمة وفائدة هذه المفاهيم، فلم يعد التعبير بجمل طويلة محمودا كما كان سابقا , فمثلا شركة جنرال إليكتريك صاغت رؤيتها في خمس كلمات على النحو التالي «نحن نجلب الأشياء المفيدة للحياة» حتى تصبح رؤية الشركة دوما عالقة في ذاكرة العاملين مهما انخفض مستواهم الوظيفي أو التعليمي, كما أن الانسجام والتوافق بين ما ترفعه الشركة من شعارات وما يمارسه المسؤولون من أفعال أمر لا يمكن التساهل فيه وإلا فقدت هذه المفاهيم مصداقيتها وقوة تأثيرها في سلوك العاملين وأدائهم, فلا يمكن لشركة تتبنى قيما مثل العدل والنزاهة في معاملاتها أن تقنع أفرادها بالالتزام بتلك القيم مع عملائها إن لم يعط كبار المسؤولين والمشرفين فيها المثل العملي في تطبيق القيم نفسها مع من يشرفون عليهم من الموظفين.
ربما يعتقد بعض المسؤولين عدم أهمية تلك المفاهيم وبالتالي لا يبالون كثيرا بمراجعة وتعديل نصوصها وربما كانوا محقين في اعتقادهم إن لم يروا ما يثبت أن لها تأثيرا فعليا في أداء العاملين وسلوكهم, ولكي نعطي مثالا على مدى قوة وفاعلية هذه المفاهيم نفترض أن شريحة من العاملين لا يحصلون من المديرين على معلومات كافية عن أهداف وخطط الشركة الاستراتيجية أو أن هؤلاء المديرين من النوع الذي يفضل أسلوب الإدارة عن بعد، فهم مقلون في اتصالهم وتواصلهم مع المرؤوسين, فما تأثير ذلك في أداء هؤلاء العاملين؟ من المؤكد أن أكثرهم لن يستجيبوا لخطط الشركة وأهدافها بسبب نقص وقلة المعلومات المتاحة لهم , ولكن الصورة ستكون مختلفة تماما عندما يكون للشركة رؤية ورسالة وقيم معلنة ومعروفة من الجميع , وبالتالي سيكون من اليسير على معظمهم أن يتفاعلوا بإيجابية مع خطط الشركة وأهدافها، ولو بالحد الأدنى، بغض النظر عما يواجهونه من نقص في المعلومات، والفضل في ذلك يعود إلى تلك المفاهيم التي أصبحوا بفعلها مدركين للأغراض والأهداف الاستراتيجية التي من أجلها وجدت هذه الشركة, وبالتالي يسهل عليهم الربط بين ما يقومون به من أعمال وبين ما حددته الشركة لنفسها من رؤية ورسالة وقيم, ولو أن كل شركة استطلعت آراء العاملين لمعرفة مدى تأثير هذه المفاهيم في أدائهم لاكتشفت الكثير من الحالات المشابهة للمثال آنف الذكر، ولاقتنع كل من لديه شك في قوة وفاعلية تلك المفاهيم على أداء العاملين وعلى أداء الشركة بشكل عام.