ذاكرة معلم
يقول فرانك مكورت الروائي الأمريكي إنّ حياته أنقذت حياته، هو يرى ذلك لأنّه ببساطة قرر كتابة قصة حياته ومعاناته التي عاشها بين إيرلندا وأمريكا في ظلّ الفقر والانهيار الاقتصادي العظيم.
هذه الرحلة التي قضاها في كتابة سيرة قد تتقاطع مع ملايين الأفراد حول العالم أهلته للحصول على جائزة بوليتزر عن روايته "رماد آنجيلا" وتلاها نشر كتابه الثاني " له " وتحدث فيهما عن بداية حياته وانتصافها.
لكنّ الكثير من النقاد والمهتمين بالأدب يتساءلون ما السبب الذي دفع مكورت للانتظار ليكتب بعد الستين من العمر ؟
يقول فرانك إنه كان مشغولاً بالتدريس طيلة تلك الفترة، تجربته الممتدة لثلاثين عاماً نقلته بين المدارس الثانوية لمدينة نيويورك كمعلم للغة الإنجليزية لمن لا يتحدثونها من المهاجرين الجدد. ومن ثمّ تعليم قواعد اللغة ومهارات الكتابة للطلبة المتقدمين.في كتابه Teacher Man يتحدث مكورت عن تجربة دخوله للصفّ للمرة الأولى، كان حينها في عمر السابعة والعشرين وحديث التخرج من الجامعة.المعلم المبتدئ في مواجهة مع متمردي الصفوف الثانوية وأين في نيويورك، البوتقة التي انصهرت بها كل الجنسيات والأعراق العالمية.
ومن تلك اللحظة ينقل معاناته اليومية، القصص المرحة والمواقف التي تجمعه بشتى طبقات المجتمع.
مكورت نفسه كان يعاني مشكلة في فهم قواعد اللغة الإنجليزية، وبينما يعلّم الآلاف من الطلبة كان بطريقة أخرى يعلم نفسه ويصقل مهاراته ثمّ يضعها على الورق كحصيلة حياة وعملية تربوية. جاء العمل بحسب رؤية النقاد له سلساً بجمل قصيرة وواضحة، وضع فرانك كتاباً لكل أفراد العائلة. كتاباً للطلبة والمعلمين على حدّ سواء.
ويختتم كتابه بمحادثة قصيرة بينه وبين أحد طلبته في يومه الأخير كمعلّم : سيّد مكورت يجب أن تؤلف كتاباً. فيرد بقوله : سأحاول ذلك. كم نحنُ بحاجة لقراءة أعمال كهذا العمل، ونحن بحاجة أكبر لتخليد الأعمال الجليلة التي يتركها معلمونا في كل مدرسة وجامعة. لأن التجارب العظيمة عندما تتكاثر ويعاد تبنّيها تترك أثراً أجمل.