مرورنا العجيب!
قبل أسبوعين كنت مسافراً خارج المملكة ووقع حادث مروري لسائقي وكان برفقته ابني الذي لا يتجاوز عمره أربعة عشر عاما، وكان الحادث بسيطا جداً بحيث إن سيارتنا وهي من نوع "ميني فان" لم تصب إلا بخدش بسيط، وكانت المشكلة في أن سائقي قد أمضى أكثر من ثلاثة أشهر في المملكة ولم تستخرج له رخصة سعودية ما يعني أن تأمين السيارة لا يغطيه، ومن ثم فإن رجل المرور الذي باشر الحادث مضطر لتوقيفه، وإلى هنا فالوضع عادي إلا أن مسلسل المفاجآت توالى بعد ذلك.
فابني الذي لم يسبق له أن قاد سيارة في شارع عام حيث إن عمره لا يتعدى أربعة عشر عاما وأنهى للتو صف ثاني متوسط طلب منه رجل المرور الذي باشر الحادث أن يعود للمنزل وهو يقود السيارة بنفسه ولوحده. وقد اتصلت بي زوجتي وأخبرتني بذلك فقلت لها إن هذا غير معقول فجندي المرور ملزم بأن يسمح للسائق بإيصال الطفل الذي برفقته إلى منزله أو أن يوقف سيارتنا في موقع قريب من مكان الحادث ويتولى إيصاله بنفسه إلى المنزل خاصة أن المسافة بين موقع الحادث ومنزلنا قد لا تتجاوز كيلو مترا واحدا، إلا أنني فوجئت بأن رجل المرور يوجه ابني بقيادة السيارة والذهاب إلى بيته قائلاً له "ما عليك أمش مع الحارة ولا لمك أحد" معرضاً هذا الطفل الذي لا يجيد قيادة السيارة والآخرين لخطر كبير دون اكتراث، رغم أنه يفترض أن تكون مهمته ضمان عدم حدوث ذلك لا التشجيع عليه.
كوني مسافرا طلبت من قريب لي مراجعة مرور شمال الرياض، حيث أوقف السائق وقد طلب منه المرور أن يكفل السائق فأطلق سراحه وتم إبلاغه أنه سيتم الاتصال به بعد تقدير تكلفة إصلاح السيارة الأخرى المشاركة في الحادث. بعد عودتي من السفر بعدة أيام اتصل قريبي مفيداً أن المرور اتصل به، فقمت فوراً بمراجعة المرور ليفاجئني الموظف المعني بملف الحادث بقوله إن تكلفة الإصلاح تبلغ 7.500 ريال فقلت له إن هذا مستحيل فسيارتي بها خدش بسيط وهي ليست شاحنة أو سيارة نقل ثقيل بحيث يمكن تصور أن يتسبب الارتطام بها في ضرر كبير بالسيارة الأخرى دون أن يصيبها أي ضرر، وأنه لا بد أن في الأمر عملية احتيال ومبالغة حادة في تقدير التكلفة ومسؤولية المرور ألا يكتفي بأن يكون متفرجا على مثل ذلك. وقد صدمت بأن هذا التقدير من معرض سيارات وليس وفق الإجراء الذي يعتمده المرور عادة المتمثل في الحصول على ثلاثة عروض بتكلفة الإصلاح ويتمثل في تقدير لقيمة هذه السيارة جديدة وقيمتها الحالية. وقد افترضت أن الإدارة العلياء في مرور الشمال لا يمكن أن تمرر مثل هذا الهراء فتحدثت للضابط المسؤول، مؤكداً له أن هناك خللا واضحا يستدعي التحقيق، وأن على المرور مسؤولية عدم تمرير مثل هذه المبالغات خاصة أنه من الواضح أنها أضعاف التكلفة الفعلية، وأي سيارة تخرج من الوكالة وتقدر في معارض السيارات ستنزل قيمتها بما قد يتجاوز ثلاثة أو أربعة آلاف ريال حتى لو لم تتعرض لأي حادث، وبالتالي لا يمكن أن يعتمد المرور مثل هذا التقدير لتحديد حجم الضرر حتى لو افترضنا جدلاً أنه ليس هناك أي مبالغة فيه، والمسؤولية في هذه الحالة تقتصر على تكلفة الإصلاح لا أكثر. وقد فوجئت أكثر عندما اتضح لي أثناء حديثي مع هذا المسؤول أنه ليس فقط هناك مبالغة في تقدير الضرر، بل إن تقرير رجل المرور الذي باشر الحادث لا يمكن بأي حال أن يكون صحيحا، فقد ادعى في وصفه للحادث أن الحادث عبارة عن اعتراض لخط السير تسبب في الارتطام في السيارة الأخرى بشكل مباشر، فقلت له: أنا بالطبع لم أشهد الحادث لكن يستحيل أن يكون ذلك صحيحاً فهذا يعني بالضرورة أن تلحق بسيارتي إصابة بالغة نتيجة هذا الارتطام الذي تسبب في كل هذا الضرر للسيارة الأخرى وهذا ليس هو الحال وأبلغته أن السيارة واقفة أمام مبنى المرور ويمكنه معاينتها بنفسه. الأمر الذي يتضح معه أن من باشر الحادث لم يكتف بالطلب من طفل بقيادة السيارة إلى البيت بل قام أيضا باستغلال كونه سائقا أجنبيا متورطا في حادث مع مواطن لا يرغب في تحميله أي مسؤولية عما حدث لسيارته فعمد إلى رسم كروكي للحادث مجاف للحقيقة بصورة تسمح له بتحميل هذا السائق كامل المسؤولية، وهذا ما تأكد منه فعلاً حيث أكد لي ابني أن الحادث كان مجرد احتكاك جانبي بين السيارتين وليس ارتطاما مباشرا، وحيث لم يبد هذا المسؤول أي اكتراث بهذه الحقائق والمؤشرات على أخطاء واضحة في تعامل المرور مع هذه القضية وتفادياً لأي حرج يمكن أن يتعرض له قريبي كونه قد كفل سائقي فقد قمت بدفع المبلغ وأنا مصدوم بما رأيت وسمعت.
والحقيقة أنني لو كنت استخرجت رخصة سعودية لسائقي لما اطلعت على أي من هذه الأحداث المؤسفة فسيتم تحميل شركة التأمين كامل التكلفة مهما كانت المبالغة والتجاوزات في ذلك وينتهي الأمر عند ذلك، ما يجعلني أشعر بقلق شديد لما يمكن أن تتسبب فيه ذلك من ضرر بقطاع مهم ناشئ في اقتصادنا وهو قطاع التأمين، فشركات التأمين التي تعاني حدة المنافسة لن تكون قادرة على البقاء وهي تحمل أضعاف التكاليف الحقيقية لحوادث السيارات، ومن الواضح أن شركات التأمين التي أوقفت التأمين على قائدي المركبات واستبدلته بالتأمين على المركبات نفسها، بعد أن عانت كثيراً من حالات تسجيل الحوادث المرورية على شخص مؤمن حتى لو لم يكن السائق الفعلي للمركبة وقت وقوع الحادث، لن تستطيع حماية نفسها من تجاوزات مباشري الحوادث سواء كانت متعمدة أو ناتجة عن عدم أهليتهم أو من المبالغات الحادة في تقدير تكاليف الإصلاح.. وللحديث حول المرور بقية.